الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وندب بالمدينة للحليفي ) ش يعني أن من كان يريد الإحرام من ذي الحليفة سواء كان ممن يلزمه ذلك أو ممن يستحب له الإحرام منه ، فإذا أراد الإحرام من ذي الحليفة فيستحب له أن يغتسل بالمدينة ، وهو قول عبد الملك بن الماجشون وابن حبيب وسحنون ، وقال عياض : إنه ظاهر المذهب ، وإن ابن الماجشون وسحنونا فسرا المذهب فاعتمده المصنف هنا وحمل بعضهم المدونة على أن الغسل بالمدينة جائز ، وليس بمستحب وسيأتي لفظه في التنبيه الثاني بل قال أبو الحسن : ظاهر قوله في المدونة : إجزاء غسله أن المطلوب الغسل بذي الحليفة ، وهو ظاهر كلام صاحب الطراز ( تنبيهات الأول : ) الغسل بالمدينة إنما يندب أو يرخص فيه لمن يغتسل بها ثم يذهب بها إلى ذي الحليفة فيحرم بها فوره أو يقيم بها قليلا لا يحصل بين الغسل والإحرام تفريق كثير فأما من يقيم بذي الحليفة يوما أو ليلة فهذا لا يطلب بالغسل من المدينة على القول باستحبابه ، ولا يرخص له فيه على القول بجوازه ، كما بينت ذلك في شرح المناسك ( الثاني : ) من اغتسل بالمدينة فيراعى في حقه اتصال غسله بخروجه ، فإن لم يخرج من فوره وطال تأخره لم يجزه الغسل ، وإن تأخر ساعة من نهار لشغل خف كشد رحله وإصلاح بعض جهازه أجزأه [ ص: 103 ] قال في الأم : ومن اغتسل بالمدينة ، وهو يريد الإحرام ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم أجزأه غسله ، وإن اغتسل بها غدوة ثم أقام إلى العشاء ثم راح إلى ذي الحليفة فأحرم لم يجزه الغسل ، وإنما يجوز الغسل بالمدينة لرجل يغتسل ثم يركب من فوره انتهى .

                                                                                                                            قال سند إثر كلام المدونة : نعم لو اشتغل بعد غسله في شد رحله وإصلاح بعض جهازه ساعة من نهار كان خفيفا انتهى .

                                                                                                                            وقال في التوضيح ، وفي الموازية : إن اغتسل غدوة وتأخر خروجه للظهر كرهته ، وهذا طويل قال بعضهم : وظاهره : أنه يجترئ به ، قال : وهو خلاف المدونة وكأنهم راعوا هنا الاتصال كغسل الجمعة انتهى .

                                                                                                                            وما ذكره عن بعضهم أن ظاهر كلام محمد أنه يجزئه ذكره ابن عبد السلام ، ولم يذكره ابن يونس وصاحب الطراز وأبو الحسن وابن عرفة ، وفي كلام محمد ما يقتضي عدم الإجزاء ; لأنه قال بعد قوله : كرهته ، وهذا طويل فقوله : وهذا طويل يقتضي أنه لا يجزئه ، وهكذا نقله ابن يونس وصاحب الطراز وأبو الحسن ، وكلامهم يقتضي أنه موافق للمدونة ; لأنه لو كان مخالفا لها لنبهوا عليه ، كما هو عادتهم ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث : ) زاد البراذعي وابن يونس في اختصاريهما بعد قوله : في المدونة لم يجزه الغسل ، وأعاده فأعطى كلامهما أنه يعيد الغسل بعد الإحرام ، وليست هذه اللفظة أعني لفظة : وأعاده في الأم ، كما تقدم بل زادها البراذعي وابن يونس في اختصاريهما بعد قوله : لم يجزه الغسل ونبه على ذلك ابن عرفة فقال : ونقل البراذعي والصقلي عنها إعادته ليس فيها انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) ولم يذكر ابن أبي زمنين والشيخ ابن أبي زيد والشيخ أبو إسحاق وصاحب الطراز في اختصارهم للمدونة اللفظة المذكورة ، بل قال سند إثر كلامه المتقدم ، فإذا قلنا : لا يجزئه الغسل ، فإن علم بذلك قبل أن يحرم اغتسل قولا واحدا ، وإن لم يعلم حتى أهل وسار فهل يغتسل يختلف فيه ، وقد مر ذكره انتهى .

                                                                                                                            وتقدم ذكر الخلاف في ذلك عند قول المصنف : والسنة غسل متصل ، وقد استوفيت الكلام على ما يتعلق بالغسل بالمدينة لمن أراد الإحرام من ذي الحليفة في شرح المناسك فمن أراد ذلك فليراجعه هناك ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) : وهل يتجرد بالمدينة إذا اغتسل بها قال سند : من رأى أن تقديمه الغسل بالمدينة فضيلة جعل التجرد من الثياب بها فضيلة ، ومن جعل ذلك رخصة جعل التجرد أيضا منها رخصة ( فرع ) : قال في الطراز : ولا يختص تقدمة الغسل بالمدينة بل كل من كان منزله قريبا من الميقات أي ميقات كان ، والميقات منه على ثلاثة أميال ونحوها ، ومثل ذي الحليفة من المدينة واغتسل من منزله أجزأه ; لأن غسله في بيته أستر له ، وأحسن وأمكن انتهى .

                                                                                                                            فعلى هذا من أراد الإحرام من التنعيم ، فإنه يجوز له أن يغتسل من مكة وربما كان غسله بها أولى لما ذكر في الطراز من كونه أستر وأمكن ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية