الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ميراث الإخوة والأخوات من الأب والأم ومن الأب

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ذكره - : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ) .

                                                                                                                                                                              ففرض الله - جل وعز - في كتابه للواحدة والثنتين من الأخوات ، ولم يفرض لما فوق الثنتين من الأخوات فرضا منصوصا ، وأجمع أهل العلم أن ما فوق الثنتين من الأخوات حكم الثنتين ، [ولهن] وإن كثرن الثلثين . وجاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أجمع عليه أهل العلم من ذلك .

                                                                                                                                                                              6782 - حدثنا محمد قال : حدثنا إسحاق قال : أخبرنا وهب ، عن هشام صاحب الدستوائي ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : اشتكيت وعندي سبع أخوات ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أوصي لأخواتي بالثلث؟ قال : "أحسن " . قلت : فالشطر؟ قال : "أحسن " . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رجع فقال : "يا جابر ما أراك إلا ميتا من هذا الوجع ، وقد أنزل الله في أخواتك فبين فجعل لهن الثلثين " قال : فكان جابر يقول : نزلت هذه الآيات [في] ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) . إلى آخرها . [ ص: 405 ]

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ذكره - : ( وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ) ، واتفق أهل العلم على أن الأخ من الأب والأم يحوي جميع المال ، فإن ترك أخا وأختا أو إخوة وأخوات لأب وأم فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ( وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ) وذلك كله إذا لم يكن معهم أحد ممن له سهم معلوم ، فإن كان معهم أحد ممن له سهم معلوم بدئ بسهمه فأعطيه ، ثم جعل الباقي من المال لهم للذكر مثل حظ الأنثيين .

                                                                                                                                                                              وأجمع أهل العلم على أن الإخوة والأخوات من الأب لا يرثون مع الإخوة والأخوات من الأب والأم شيئا . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات " . [ ص: 406 ]

                                                                                                                                                                              6783 - حدثنا علي بن [الحسن] قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدين قبل الوصية ، وأنتم تقرؤون هذه الآية ( من بعد وصية يوصى بها أو دين ) ، وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات، الإخوة للأب والأم أقرب من الإخوة للأب يتوارثون دون الإخوة للأب .

                                                                                                                                                                              وأجمع أهل العلم على أن الإخوة والأخوات من الأب يقومون مقام الإخوة والأخوات من الأب والأم ذكورهم كذكورهم وإناثهم كإناثهم ، إذا لم يكن للميت إخوة ولا أخوات لأب وأم .

                                                                                                                                                                              وأجمع أهل العلم على أن لا ميراث للأخوات من الأب إذا استكمل الأخوات من الأب والأم الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فإن كان معهن ذكر كان الفاضل من الأخوات من الأب والأم للإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين إلا في قول ابن مسعود .

                                                                                                                                                                              وأجمع أهل العلم على أن الإخوة من الأب يرثون ما فضل عن الأخت من الأب والأم ، فإن ترك أختين أو أخوات من أب وأم فلهن الثلثان ، وما بقي فللإخوة من الأب . [ ص: 407 ]

                                                                                                                                                                              فإن ترك أختا لأب وأم ، [وأختا أو] أخوات لأب فللأخت من الأب والأم النصف ، وللأخت أو الأخوات من الأب السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللعصبة .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الإخوة والأخوات من الأب مع الأختين أو الأخوات من الأب والأم .

                                                                                                                                                                              فكان زيد بن ثابت يقول : وإن كان بنوا الأب والأم امرأتين فأكثر من ذلك من الإناث ، فرض لهن الثلثان ، ولا ميراث معهن لبنات الأب إلا أن يكون معهن ذكر من أب ، فإن كان معهن ذكر بدئ بفرائض من كانت له فريضة فأعطوها ، وإن فضل بعد ذلك فضل كان بين بني الأب للذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم .

                                                                                                                                                                              وكان ابن مسعود يجعل ما فضل عن الأخوات للأب والأم للذكور من الإخوة دون الأخوات من الأب .

                                                                                                                                                                              فإن ترك أختا لأب وأم ، وإخوة وأخوات من أب ، ففي قول زيد بن ثابت : للأخت من الأب والأم النصف ، وما بقي فللإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين .

                                                                                                                                                                              وكذلك روي عن علي بن أبي طالب ، وعائشة ، وبه قال مالك بن أنس وأهل المدينة ، وسفيان الثوري ، والشافعي .

                                                                                                                                                                              وفي قول عبد الله بن مسعود : للأخت من الأب والأم النصف ، [ ص: 408 ] ويجعل الباقي بين الإخوة والأخوات ما لم يصبهن في المقاسمة أكثر من السدس ، فإن أصابهن أكثر من السدس أعطاهن السدس تكملة الثلثين ، ولم يزدهن على ذلك ، وبه قال أبو ثور .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية