الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5796 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع ألا تسمعنا من هنيهاتك قال وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول

                                                                                                                                                                                                        اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا     فاغفر فداء لك ما اقتفينا
                                                                                                                                                                                                        وثبت الأقدام إن لاقينا     وألقين سكينة علينا
                                                                                                                                                                                                        إنا إذا صيح بنا أتينا     وبالصياح عولوا علينا

                                                                                                                                                                                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا السائق قالوا عامر بن الأكوع فقال يرحمه الله فقال رجل من القوم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به قال فأتينا خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ثم إن الله فتحها عليهم فلما أمسى الناس اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذه النيران على أي شيء توقدون قالوا على لحم قال على أي لحم قالوا على لحم حمر إنسية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهرقوها واكسروها فقال رجل يا رسول الله أو نهريقها ونغسلها قال أو ذاك فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر فتناول به يهوديا ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة عامر فمات منه فلما قفلوا قال سلمة رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحبا فقال لي ما لك فقلت فدى لك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله قال من قاله قلت قاله فلان وفلان وفلان وأسيد بن الحضير الأنصاري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين إصبعيه إنه لجاهد مجاهد قل عربي نشأ بها مثله

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        حديث سلمة بن الأكوع في قصة عامر بن الأكوع ، تقدم شرحه مستوفى في غزوة خيبر من كتاب المغازي ، وقوله فيه : " وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم " يؤخذ منه جميع الترجمة لاشتماله على الشعر والرجز والحداء ويؤخذ منه الرجز من جملة الشعر ، وقوله : اللهم لولا أنت ما اهتدينا قال ابن التين : هذا ليس بشعر ولا رجز لأنه ليس بموزون ، وليس كما قال بل هو رجز موزون ، وإنما زيد في أوله سبب خفيف ويسمى الخزم بالمعجمتين وقوله : فاغفر فداء لك ما اقتفينا أما فداء فهو بكسر الفاء والمد منون ، ومنهم من يقوله بالقصر ، وشرط اتصاله بحرف الجر كالذي هنا ، قاله ابن التين : وقال المازري لا يقال لله فداء لك لأنها كلمة تستعمل عند توقع مكروه لشخص فيختار شخص آخر أن يحل به دون ذلك الآخر ويفديه ، فهو إما مجاز عن الرضا كأنه قال : نفسي مبذولة لرضاك أو هذه الكلمة وقعت خطابا لسامع الكلام ، وقد تقدم له توجيه آخر في غزوة خيبر . وقال ابن بطال : معناه اغفر لنا ما ارتكبناه من الذنوب ، وفداء لك دعاء أي افدنا من عقابك على ما اقترفنا من ذنوبنا ، كأنه قال : اغفر لنا وافدنا منك فداء لك ، أي من عندك فلا تعاقبنا به . وحاصله أنه جعل اللام للتبيين مثل هيت لك ، واستدل بجواز الحداء على جواز غناء الركبان المسمى بالنصب ، وهو ضرب من النشيد بصوت فيه تمطيط ، وأفرط قوم فاستدلوا به على جواز الغناء مطلقا بالألحان التي تشتمل عليها الموسيقى ، وفيه نظر . وقال الماوردي : اختلف فيه ، فأباحه قوم مطلقا ، ومنعه قوم مطلقا ، وكرهه مالك والشافعي في أصح القولين ، ونقل عن أبي حنيفة المنع ، وكذا أكثر الحنابلة . ونقل ابن طاهر في " كتاب السماع " الجواز عن كثير من الصحابة ، لكن لم يثبت من ذلك شيء إلا في النصب المشار إليه أولا . قال ابن عبد البر : الغناء الممنوع ما فيه تمطيط وإفساد لوزن الشعر طلبا للطرب وخروجا من مذاهب العرب . وإنما وردت الرخصة في الضرب الأول دون ألحان العجم . وقال الماوردي : هو الذي لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه من غير نكير إلا في حالتين : أن يكثر منه جدا وأن يصحبه ما يمنعه منه . واحتج من أباحه بأن فيه ترويحا للنفس ، فإن فعله ليقوى على الطاعة فهو مطيع أو على المعصية فهو عاص ، وإلا فهو مثل التنزه في البستان والتفرج على المارة . وأطنب الغزالي في الاستدلال ، ومحصله أن الحداء بالرجز والشعر لم يزل يفعل في الحضرة النبوية ، وربما التمس ذلك ، وليس هو إلا أشعار توزن بأصوات طيبة وألحان موزونة ، وكذلك الغناء أشعار موزونة تؤدى بأصوات مستلذة وألحان موزونة . وقد تقدم له بوجه آخر في غزوة خيبر [1] والحليمي ما تعين طريقا إلى الدواء أو شهد به طبيب عدل عارف .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية