الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5342 حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكرياء أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد قال قالت عائشة وا رأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك فقالت عائشة وا ثكلياه والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذاك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أنا وا رأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        " 8472 قوله : ( حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكريا ) هو النيسابوري الإمام المشهور وليس له في البخاري سوى مواضع يسيرة في الزكاة والوكالة والتفسير والأحلام ، وأكثر عنه مسلم ، ويقال إنه تفرد بهذا الإسناد وإن أحمد كان يتمنى لو [ ص: 130 ] أمكنه الخروج إلى نيسابور ليسمع منه هذا الحديث ، ولكن أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من وجهين آخرين عن سليمان بن بلال .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وارأساه ) هو تفجع على الرأس لشدة ما وقع به من ألم الصداع ، وعند أحمد والنسائي وابن ماجه من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة " رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول : وارأساه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ذاك لو كان وأنا حي ) ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت ، أي لو مت وأنا حي ، ويرشد إليه جواب عائشة ، وقد وقع مصرحا به في رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ولفظه ثم قال : ما ضرك لو مت قبلي فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك وقولها " واثكلياه " بضم المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام وبكسرها مع التحتانية الخفيفة وبعد الألف هاء للندبة ، وأصل الثكل فقد الولد أو من يعز على الفاقد ، وليست حقيقته هنا مرادة ، بل هو كلام كان يجري على ألسنتهم عند حصول المصيبة أو توقعها . وقولها " والله إني لأظنك تحب موتي " كأنها أخذت ذلك من قوله لها لو مت قبلي وقولها " ولو كان ذلك " في رواية الكشميهني " ذاك " بغير لام أي موتها " لظللت آخر يومك معرسا " بفتح العين والمهملة وتشديد الراء المكسورة وسكون العين والتخفيف ، يقال أعرس وعرس إذا بنى على زوجته ، ثم استعمل في كل جماع ، والأول أشهر ، فإن التعريس النزول بليل . ووقع في رواية عبيد الله " لكأني بك والله لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك . قالت : فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوله بل أنا وارأساه هي كلمة إضراب ، والمعنى : دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي ، وزاد في رواية عبيد الله " ثم بدئ في وجعه الذي مات فيه - صلى الله عليه وسلم - " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لقد هممت أو أردت ) شك من الراوي ، ووقع في رواية أبي نعيم أو وددت بدل أردت .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن أرسل إلى أبي بكر وابنه ) كذا للأكثر بالواو وألف الوصل والموحدة والنون ، ووقع في رواية مسلم أو ابنه بلفظ أو التي للشك أو للتخيير ، وفي أخرى أو آتيه بهمزة ممدودة بعدها مثناة مكسورة ثم تحتانية ساكنة من الإتيان بمعنى المجيء ، والصواب الأول ، ونقل عياض عن بعض المحدثين تصويبها وخطأه . وقال : ويوضح الصواب قوله في الحديث الآخر عند مسلم ادعي لي أباك وأخاك وأيضا فإن مجيئه إلى أبي بكر كان متعسرا لأنه عجز عن حضور الصلاة مع قرب مكانها من بيته . قلت : في هذا التعليل نظر ، لأن سياق الحديث يشعر بأن ذلك كان في ابتداء مرضه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد استمر يصلي بهم وهو مريض ويدور على نسائه حتى عجز عن ذلك وانقطع في بيت عائشة . ويحتمل أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم - لقد هممت إلخ وقع بعد المفاوضة التي وقعت بينه وبين عائشة بمدة ، وإن كان ظاهر الحديث بخلافه . ويؤيد أيضا ما في الأصل أن المقام كان مقام استمالة قلب عائشة ، فكأنه يقول : كما أن الأمر يفوض لأبيك فإن ذلك يقع بحضور أخيك ، هذا إن كان المراد بالعهد العهد بالخلافة ، وهو ظاهر السياق كما سيأتي تقريره في كتاب الأحكام إن شاء الله - تعالى - ، وإن كان لغير ذلك فلعله أراد إحضار بعض محارمها حتى لو احتاج إلى قضاء حاجة أو الإرسال إلى أحد لوجد من يبادر لذلك .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 131 ] قوله : ( فأعهد ) أي أوصي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن يقول القائلون ) أي لئلا يقول ، أو كراهة أن يقول .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أو يتمنى المتمنون ) بضم النون جمع متمني بكسرها ، وأصل الجمع المتمنيون فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمعت كسرة النون بعدها الواو فضمت النون ، وفي الحديث ما طبعت عليه المرأة من الغيرة ، وفيه مداعبة الرجل أهله والإفضاء إليهم بما يستره عن غيرهم ، وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية ، فكم من ساكت وهو ساخط ، وكم من شاك وهو راض ، فالمعول في ذلك على عمل القلب لا على نطق اللسان ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية