الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( تحقيق معنى الفكر والتفكر والنظر العقلي )

                          من تحقيق المباحث اللفظية في الآيات كلمتا التفكر والنظر العقلي ، وقد عبر هنا بالتفكر في موضوع استبانة كون النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بمجنون كما زعم بعض غواتهم ، وبالنظر في جملة الملكوت وجزئياته في موضوع الإيمان بما جاءهم به الرسول من كتاب الله تعالى ، فنبين ذلك بما تظهر به نكتة الفرق بين التعبيرين ، ويتجلى تفسير الآيتين : [ ص: 385 ] الفكر بالكسر عبارة عن التأمل في المعاني وتدبرها ، وهو اسم من فكر يفكر فكرا ( من باب ضرب ) وفكر بالتشديد وتفكر ، ومثله الفكرة والفكرى . وفسروه أيضا بإعمال الخاطر وإجالته في الأمور ، وقال الراغب : الفكرة مطرقة للعلم إلى المعلوم - والتفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل . . . ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب ، ولهذا روي " تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله " إذ كان منزها أن يوصف بصورة . ثم أورد الشواهد من الآيات ، ومنها آية الأعراف هذه . ثم نقل عن بعض الأدباء أن الفكر مقلوب عن الفرك لكنه يستعمل في المعاني ، وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى حقيقتها اهـ .

                          وقال علماء المنطق : الفكر ترتيب أمور معلومة للتوصل إلى مجهول تصوري أو تصديقي ، وهو ينافي الحكم على ظواهر الأشياء أو فيها بادي الرأي من غير تمحيص ولا تقدير ، واستعمال القرآن للتفكر والتفكير يدل على أنهما في العقليات المحضة أو في العقليات التي مبادئها حسيات ، فالإنسان يفكر فيما ينبغي أن يقوله في المواقف التي تميز الأقوال ، وفيما ينبغي أن يفعله حيث تنتقد الأفعال ، ويفكر في أقوال الناس وأفعالهم ، ويفكر في الأمور الاجتماعية والأدبية والدينية والسياسية ، ويفكر أيضا في المبصرات كالمسموعات والمعقولات ، وأكثر ما استعمله التنزيل في آيات الله ودلائل وجوده ووحدانيته وحكمته ورحمته .

                          وأما النظر فقد قال الراغب في تعريفه : هو تقليب البصر أو البصيرة في إدراك الشيء ورؤيته ، وقد يراد به التأمل والفحص ، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص وهو الروية ، يقال : نظرت فلم تنظر ، أي لم تتأمل ولم تترو ، وقوله تعالى : قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ( 10 : 101 ) أي تأملوا . واستعمال النظر في البصر أكثر عند العامة ، وفي البصيرة أكثر عند الخاصة . اهـ . وقد اختلف علماء المعقول من المناطقة والمتكلمين في الفكر والنظر ، هل هما مترادفان أو أحدهما أخص من الآخر ؟ ولهم كلام طويل في ذلك أكثره اصطلاحي غير مقيد باستعمال اللغة .

                          واستعمال القرآن يدل على أن النظر العقلي مبدأ من مبادئ الفكر والتفكير ، كما أن مبتدأه هو النظر الحسي في الغالب كقوله تعالى : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ( 88 : 17 ) إلخ وقوله : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها ( 50 : 6 ) ؟ إلخ . ومنه النظر في عاقبة الأمم برؤية آثارها في عدة آيات ، والشواهد على ذلك في التنزيل معروفة فلا نطيل في سردها ، والآيات التي نحن بصدد تفسيرها جمعت بين المبدأ الحسي ، وهو ملكوت السماوات والأرض ، والمبدأ الفكري وهو اقتراب الأجل ، وهما وما في معناهما يدلان [ ص: 386 ] على بناء الدين الإسلامي على قاعدتي : النظر العقلي ، والتفكر ، اللذين يمتاز بهما الأفراد والأمم بعضها على بعض والله أعلم وأحكم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية