الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          وقد صرح التنزيل بجزاء الفريقين في تعليل آخر في عاقبة الحرب ، قال في سياق غزوة أحد في سورة آل عمران : إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين [ ص: 519 ] ( 3 : 140 ، 141 ) .

                          إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح قيل : إن الخطاب للكفار ، ذكر خذلانهم وإضعاف كيدهم ، ثم التفت عنه إلى تذكيرهم وتوبيخهم على استنصارهم إياه على رسوله صلى الله عليه وسلم .

                          ذكر محمد بن إسحاق وعروة عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير " أن أبا جهل قال يوم بدر : اللهم أينا كان أقطع للرحم ، وأتى بما لا يعرف فأحنه الغداة . فكان ذلك استفتاحا منه " رواه عنه أحمد ، ورواه النسائي في التفسير والحاكم في المستدرك عن الزهري ، وروي مثله عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم . وقال السدي : كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة فاستنصروا الله وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين ، وأكرم الفئتين ، وخير القبيلتين ، فقال الله : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح يقول : قد نصرت ما قلتم وهو محمد صلى الله عليه وسلم " وفي رواية " أن أبا جهل قال حين التقى الجمعان : اللهم رب ديننا القديم ودين محمد الحديث ، فأي الدينين كان أحب إليك ، وأرضى عندك فانصر أهله اليوم " فالفتح هو نصر النبي ودينه وأتباعه . وهذا يدل على أن أبا جهل كان مغرورا بشركه واثقا بدينه ، ولم يكن أكثر أكابر مجرمي مكة كذلك ، بل كان كفرهم عن كبر وعلو وحسد للنبي صلى الله عليه وسلم . وإن تنتهوا فهو خير لكم أي: إن تنتهوا عن عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وقتاله فالانتهاء خير لكم; لأنكم لا تكونوا إلا مغلوبين مخذولين كقوله : قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ( 3 : 12 ) والخيرية في هذه الحالة بالإضافة إلى الاستمرار على العدوان والقتال ، ويحتمل أن يراد به الانتهاء عن الشرك فتكون الخيرية على حقيقتها وكمالها وإن تعودوا نعد أي: إن تعودوا إلى مقاتلته نعد لما رأيتم من الفتح له عليكم حتى يجيء الفتح الأعظم الذي يذل فيه شرككم ، وتدول الدولة للمؤمنين عليكم ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت أي: ولن تدفع عنكم جماعتكم من المشركين شيئا من بأس الله وبطشه ولو كثرت عددا فالكثرة لا تكون سببا للنصر ، إلا إذا تساوت مع القلة في الثبات والصبر ، والثقة بالله عز وجل وأن الله مع المؤمنين بالمعونة والولاية والتوفيق فلا تضرهم قلتهم . قرأ نافع وابن عامر ( وأن ) وحفص بفتح الهمزة بتقدير اللام أي: ولأن الله مع المؤمنين كان الأمر ما ذكره ، وقرأها الباقون بالكسر على الاستئناف .

                          وقيل : إن الخطاب في الآية للمؤمنين كسابقه ولاحقه ، والمعنى : إن تستنصروا ربكم وتستغيثوه عند شعوركم بالضعف والقلة فقد جاءكم النصر ، وإن تنتهوا عن التكاسل في القتال [ ص: 520 ] والرغبة عما يأمر به الرسول ، ومجادلته في الحق بعدما تبين فهو خير لكم . وإن تعودوا إليه نعد عليكم بالإنكار أو تهييج العدو ، ولن تغني عنكم كثرتكم إذا لم يكن الله معكم بالنصر ، فها نحن أولاء قد نصرناكم على قلتكم وضعفكم . هذا أقوى من كل ما رأيناه في تصوير المعنى ، فأكثر ما قالوه ظاهر التكلف ، ولولا السياق لكان المعنى الأول أرجح; لأنه أظهر .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية