الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( البشارة الثانية )

                          الآية 21 من الباب 32 من سفر الاستثناء ( التثنية ) هكذا ( هم أغاروني بغير إله وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة وأنا أيضا أغيرهم بغير شعب وبشعب جاهل أغضبهم ) والمراد بشعب جاهل العرب ؛ لأنهم كانوا في غاية الجهل والضلال ، وما كان عندهم علم لا من العلوم الشرعية ، ولا من العلوم العقلية ، وما كانوا يعرفون سوى عبادة الأوثان والأصنام ، وكانوا محقرين عند اليهود لكونهم من هاجر الجارية ، فمقصود الآية أن بني إسرائيل أغاروني بعبادة المعبودات الباطلة فأغيرهم باصطفاء الذين هم عندهم محقرون وجاهلون ، فأوفى بما وعد ، فبعث من العرب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهداهم إلى الصراط المستقيم ، كما قال الله - تعالى - في سورة الجمعة : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ( 62 : 2 ) وليس المراد بالشعب الجاهل اليونانيين [ ص: 223 ] كما يفهم من ظاهر كلام مقدسهم بولس في الباب العاشر من الرسالة الرومية ؛ لأن اليونانيين قبل ظهور عيسى - عليه السلام - بأزيد من ثلاثمائة سنة كانوا فائقين على أهل العالم كلهم في العلوم والفنون ، وكان منهم جميع الحكماء المشهورين مثل سقراط وبقراط وفيثاغورس وأفلاطون وأرسطاطاليس وأرشميدس وبليناس وأقليدس وجالينوس وغيرهم الذين كانوا أئمة الإلهيات والرياضيات والطبيعيات وفروعها قبل عيسى - عليه السلام - ، وكان اليونانيون في عهده على غاية درجة الكمال في فنونهم ، وكانوا واقفين على أحكام التوراة وقصصها ، وعلى سائر كتب العهد العتيق أيضا بواسطة ترجمة سبتوجنت التي ظهرت باللسان اليوناني قبل المسيح بمقدار مائتين وست وثمانين سنة ، لكنهم ما كانوا معتقدين للملة الموسوية ، وكانوا متفحصين عن الأشياء الحكمية الجديدة كما قال مقدسهم هذا في الباب الأول من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا : ( 22 لأن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة 23 ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة ) فلا يجوز أن يكون المراد بالشعب الجاهل اليونانيين ، فكلام مقدسهم في الرسالة الرومية إما مؤول أو مردود - وقد عرفت في الأمر الثامن أن قوله ساقط عن الاعتبار عندنا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية