الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              بين عمر وعبد الله بن مسعود

              عبد الله بن مسعود من أقرأ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتاب الله، ومن أعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان كثير من الصحابة يعدونه من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لكثرة ملازمته له، " قال أبو موسى الأشعري : (كنا حينا وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم ولزومهم له " [1]

              " وقال أبو مسعود البدري مشيرا إلى عبد الله بن مسعود، وقد رآه مقبلا: (ما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك بعده أحدا أعلم " [ ص: 64 ] " بما أنزل الله تعالى من هـذا القادم. فقال أبو موسى: لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا " [2] .

              وعمر رضي الله عنه معروف من هـو في فقهه وجلالة قدره، وقد كان ابن مسعود أحد رجال عمر رضي الله عنهما في بعض الأعمال، وقد وافق عبد الله، عمر رضي الله عنهما في كثير من اجتهاداته، حتى اعتبره المؤرخون للتشريع الإسلامي أكثر الصحابة تأثرا بعمر، وكثيرا ما كانا يتوافقان في اجتهاداتهما، وطرائقهما في الاستدلال، وربما رجع عبد الله إلى مذهب عمر في بعض المسائل الفقهية كما في مسألة مقاسمة الجد الإخوة مرة إلى الثلث، ومرة إلى السدس [3] .

              ولكنهما اختلفا في مسائل كثيرة أيضا، ومن مسائل الخلاف بينهما: أن ابن مسعود كان يطبق يديه في للصلاة، وينهى عن وضعهما على الركب، وعمر كان يفعل ذلك وينهى عن التطبيق.

              وكان ابن مسعود يرى في قول الرجل لامرأته: (أنت علي حرام ) أنه يمين، وعمر يقول: هـي طلقة واحدة.

              وكان ابن مسعود يقول في رجل زنى بامرأة ثم تزوجها: لا يزالان زانيين ما اجتمعا، وعمر لا يرى ذلك، ويعتبر أوله سفاحا وآخره نكاحا [4] .

              ولقد ذكر ابن القيم في (إعلام الموقعين) أن المسائل الفقهية التي خالف فيها ابن مسعود عمر رضي الله عنهما بلغت مائة مسألة وذكر أربعا منها [5] . [ ص: 65 ] ومع ذلك فإن اختلافهما هـذا ما نقص من حب أحدهما لصاحبه، وما أضعف من تقدير ومودة أي منهما للآخر، " فهذا ابن مسعود يأتيه اثنان: أحدهما قرأ على عمر وآخر قرأ على صحابي آخر، فيقول الذي قرأ على عمر: اقرأنيها عمر بن الخطاب، فيجهش ابن مسعود بالبكاء حتى يبل الحصى بدموعه، ويقول: اقرأ كما أقرأك عمر فإنه كان للإسلام حصنا حصينا، يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فلما أصيب عمر انثلم الحصن " [6] .

              " ويقبل ابن مسعود يوما وعمر جالس فلما رآه مقبلا قال: (كنيف ملئ فقها أو علما) " وفي رواية: (كنيف ملئ علما آثرت به أهل القادسية ) [7] .

              هـكذا كانت نظرة عمر لابن مسعود رضي الله عنهما ، لم يزده الاختلاف بينهما في تلكم المسائل إلا محبة وتقديرا له، ولنا أن نستنبط من تلك الأحداث آدابا تكون نبراسا في معالجة القضايا الخلافية. [ ص: 66 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية