الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              أدب الاختلاف في الإسلام

              الدكتور / طه جابر فياض العلواني

              مناظرة ابن عباس للخوارج:

              عن عبد الله بن المبارك [1]

              قال: حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا سماك الحنفي قال: " سمعت ابن عباس يقول: قال علي : لا تقاتلوهم (أي الخوارج) حتى يخرجوا فإنهم سيخرجون، قال: قلت: يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة فإني أريد أن أدخل عليه فأسمع من كلامهم وأكلمهم، فقال: أخشى عليك منهم، قال: (أي ابن عباس) وكنت رجلا حسن الخلق لا أوذي أحدا. قال: فلبست أحسن ما يكون من الثياب اليمنية، وترجلت ثم دخلت عليهم وهم قائلون: فقالوا لي: ما هـذا اللباس؟ فتلوت عليهم القرآن: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) [الأعراف: 32] وقلت: ولقد [ ص: 86 ] رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس أحسن ما يكون من اليمنية. فقالوا: لا بأس، فما جاء بك؟ فقلت: أتيتكم من عند صاحبي، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالوحي منكم، وفيهم نزل القرآن، أبلغكم عنهم وأبلغهم عنكم، فما الذي نقمتم؟ فقال بعضهم ناهيا: إياكم والكلام معه، إن قريشا قوم خصمون، قال الله عز وجل : ( بل هـم قوم خصمون ) [الزخرف: 58]. وقال بعضهم كلموه، فانتحى لي منهم رجلان أو ثلاثة، فقالوا: إن شئت تكلمت وإن شئت تكلمنا. فقلت: بل تكلموا. فقالوا: ثلاث نقمناهن عليه: جعل الحكم إلى الرجال وقال الله: ( إن الحكم إلا لله ) [ الأنعام: 57] [يوسف: 40-67]

              فقلت: قد جعل الله الحكم من أمره إلى الرجال في ربع درهم: في الأرنب [2] ، وفي المرأة وزوجها ( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) [النساء: 35].

              فالحكم في رجل وامرأته والعبد أفضل، أم الحكم في الأمة يرجع بها ويحقن دماؤها، ويلم شعثها؟ قالوا: نعم. قالوا: وأخرى مجانفة أن يكون أمير المؤمنين، فأمير الكافرين هـو. فقلت لهم: أرأيتم إن قرأت من كتاب الله عليكم، وجئتكم به من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أترجعون؟ قالوا: نعم. قلت: قد سمعتم أو أراه قد بلغكم أنه لما كان يوم الحديبية جاء سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 87 ] ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : اكتب.. هـذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: امح يا علي ) أفخرجت من هـذه؟ قالوا: نعم.

              قال: وأما قولكم: قتل ولم يسب، ولم يغنم (أي في معركة الجمل وصفين ) أفتسبون أمكم، وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟! فإن قلتم: نعم، فقد كفرتم بكتاب الله، وخرجتم من الإسلام، فأنتم بين ضلالتين...

              وكلما جئتهم بشيء من ذلك أقول: أفخرجت منها؟ فيقولون: نعم. قال: فرجع منهم ألفان وبقي ستة آلاف. " [3] .

              فهؤلاء قوم أشهروا سيوفهم للقتال، واستحلوا دماء مخالفيهم، لكنهم مع ذلك حين جودلوا بالحق استجاب كثير منهم، وحينما ذكروا بالقرآن تذكروا، وحينما دعوا إلى الحوار استجابوا بقلوب مفتوحة، فأين المسلمون اليوم من هـذا؟!. [ ص: 88 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية