الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[2] التوازن

ذلك أن التنمية الاقتصادية الإسلامية لا تستهدف زيادة الإنتاج فحسب، وإنما تستهدف أساسا العدل، أي عدالة التوزيع لقوله تعالى: ( اعدلوا هـو أقرب للتقوى ) [المائدة:8]. بحيث يعم الخير جميع البشر أيا كان موقعهم في المجتمع، ذلك أن هـدف الإسلام من التنمية الاقتصادية، هـو أن يتوافر لكل فرد - أيا كانت جنسيته أو ديانته؛ أي بصفته إنسانا - حد الكفاية لا الكفاف، أي المستوى اللائق للمعيشة بحسب زمانه ومكانه، لا مجرد المستوى الأدنى اللازم للمعيشة، بحيث يستشعر نعم الله وفضله، فيتجه تلقائيا إلى حمده وشكره تعالى وعبادته؛ ذلك الحمد والشكر الذي لا يعبر عنه في الإسلام بالقول والامتنان فحسب، وإنما أساسا بالعمل والإخلاص فيه، لقوله تعالى: ( اعملوا آل داود شكرا ) [سـبأ:13]، وهذه العبادة لا تتمثل في الصلاة والتوجه إلى الله فحسب، وإنما أساسا بخدمة الغير ومد يد المعونة لكل محتاج، [ ص: 65 ] لقوله تعالى: ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس... ) [النساء:114] وهكذا فإن الإسلام إذ يتطلب زيادة الإنتاج يستلزم في الوقت نفسه عدالة التوزيع، بحيث لا تغني إحداهما عن الأخرى، فوفرة الإنتاج مع سوء التوزيع هـو احتكار لا يقره الإسلام، كما أن عدالة التوزيع دون إنتاج هـو توزيع للفقر والبؤس يرفضه الإسلام.

ومن ثم لا يقبل الإسلام تنمية رأسمالية تستهدف تنمية ثروة المجتمع دون النظر إلى توزيع هـذه الثروة، وإذا كانت التنمية الاشتراكية تؤكد العلاقة بين أشكال الإنتاج والتوزيع، إلا أنها ترى أن نظام التوزيع يتبع دائما الإنتاج، في حين يرفض الإسلام هـذه التنمية؛ فأيا كانت أشكال الإنتاج السائدة فإنه يضمن أولا حد الكفاية لكل فرد حسب حاجته، وذلك كحق شرعه الله يعلو فوق كل الحقوق، ثم بعد ذلك يكون لكل نصيبه تبعا لعمله وجهده، وبحيث إذا لم يتوافر حد الكفاية لكل مواطن - وهو ما لا يكون إلا في ظروف استثنائية كمجاعة أو حرب - التزم الجميع بحد الكفاف.

إن مبدأ التوازن في التنمية الاقتصادية، يقتضي أن تتوازن جهود التنمية. ومن ثم فإن الإسلام لا يقبل أن تنفرد بالتنمية المدن دون القرى، وأن تستأثر الصناعة بالتنمية دون الزراعة، وأن تقدم الكماليات أو التحسينات على الضروريات أو الحاجيات، وأن تسبق الصناعات [ ص: 66 ] الثقيلة أو المستوردة الصناعات الاستهلاكية أو المحلية، أو أن يركز على المباني الفخمة والمنشآت المتطورة، دون توفير المرافق العامة والتجهيزات الأساسية...إلخ.

ولا شك أن التنمية الاقتصادية غير المتوازنة التي نراها في أغلب دول العالم الإسلامي مركزة على جزء من الاقتصاد الوطني دون بقية الأجزاء، هـي تنمية مشوهة، بل هـي في حقيقتها تنمية للتخلف، إذ تزيد من تدهور بقية الأجزاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية