الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[5] المسئولية

يعتبر مبدأ المسئولية من أهم المبادئ وضوحا وجلاء في التشريع الإسلامي، وإن المتتبع لأحكام الشريعة يلاحظ أن هـذه المسئولية تتحدد في جانبين:

1- مسئولية المجتمع عن بعضه بعضا. [ ص: 72 ]

2- مسئولية الدولة عن المجتمع.

وتتضح لنا مسئولية المجتمع عن أفراده من خلال الواجبات التي فرضها الإسلام على المسلمين، نذكر منها على سبيل المثال واجب إقامة التكافل الاجتماعي، فالإسلام حتى يعترف بالحرية الفردية للإنسان في كل مجال تعبيرا عن احترامه للذات الإنسانية، لا يدع هـذه الحرية مطلقة بدون حدود، بل يقيدها بقيود كثيرة تكفل سعادة المجتمع بأكمله، وهذه القيود هـي نظم التكافل الاجتماعي التي تجعل الفرد مسئولا عن المجتمع الذي يعيش فيه؛ لأنه جزء منه، والجزء لا ينفصل عن الكل، والغاية العليا هـي سعادة الكل قبل سعادة الجزء، وسعادة المجتمع قبل سعادة الفرد، ولا يعترف الإسلام بسعادة تقوم على شقاء الآخرين.

وعلى أساس هـذه القاعدة أجمع الفقهاء على وجوب نفقة المعسر على قريبه الموسر، وإن اختلفوا في مدى شمول هـذا الوجوب لدرجات القرابة، وذهب الإمام ابن حزم إلى أنه يجب على الأغنياء في كل بلد أن يقوموا بكفاية فقرائهم إذا لم تكف الزكاة لذلك. ونجده يقول: " وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يقيهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة [1] [ ص: 73 ]

وبالرغم من الواجبات المالية التي فرضها الله على المسلمين للفقراء، فإن الدولة تعتبر مسئولة عن الفقراء والأرامل والعجزة، ممن لا يقدرون على كفاية أنفسهم، ويحق لكل فقير أن يطالب الدولة بالإنفاق عليه إذا لم يكن هـناك من ينفق عليه، وهذه المسئولية تجعل الدولة مسئولة عن جميع أفراد المجتمع.

وقد أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسئولية الدولة عن الأطفال والذرية، ( فقال: من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كلا فإلينا ) والكل كما فسره القاسم بن سلام : هـو كل عيل، والذرية منهم [2]

وجاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فحقق هـذه المسئولية، وأعلن صراحة أن الدولة الإسلامية مسئولة عن الأيتام والفقراء والعجزة من المسلمين وغير المسلمين، وأعطى الأطفال من العطاء، " وقال عن الأرامل: أما والله لئن بقيت لأرامل أهل العراق لأدعنهم لا يفتقرون إلى أمير بعدي " [3]

وهكذا نلاحظ أن المسئولية في الإسلام واضحة في كل شيء، فالفرد مسئول، والمجتمع مسئول، والدولة مسئولة، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، كما قال صلى الله عليه وسلم . [ ص: 74 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية