الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المطلب الثاني: سيد قطب [1] وتطوير مفهوم الحاكمية

يفسر سيد قطب الحاكمية - ويصطلح عليها بالحاكمية العليا - في ضوء معاني الألوهية، ويرى أن مفهوم الحاكمية معناه «نزع السلطان الذي يزاوله الكهان ومشيخة القبائل والأمراء والحكام، ورده إلى الله، السلطان على الضمائر، والسلطان على العشائر، والسلطان على واقعيات الحياة، والسلطان في المال، والسلطان في القضاء، والسلطان في الأرواح والأبدان» . [2] [ ص: 181 ]

فكرة الحاكمية عند قطب

يطرح سيد قطب نفس فكرة الحاكمية التي أحياها وبعث روحها المودودي ، والملاحظ أنه لا خلاف ولا تمايز في فكرة الحاكمية بين المودودي وقطب في الحقيقة والجوهر، إذ صياغة قطب ترجع في أصلها إلى نفس المعاني التي أسسها المودودي. إلا أن المودودي طرح فكرته في إطار مشروع تأسيس دولة الباكستان الإسلامية ، وصياغة دستورها، وإعطاء البدائل السياسية والقانونية والدستورية للنظريات الغربية، وفلسفاتها التي كانت سائدة في البلاد ومهيمنة على الدوائر الحكومية، ولهذا غلب عليها طابع الشرح والإيضاح والتنظير والتأسيس والمقارنة. أما قطب فطرح فكرته في إطار مواجهة ما يسميه بالجاهلية المعاصرة، التي كانت تدعمها الدولة في مصر، «ويمكن القول بأن حاكمية قطب كانت رد فعل على تجربة الدولة الوطنية في مصر، وعلى الدولة الناصرية بوجه أخص» [3] .

الحاكمية والجاهلية

يقيم قطب فكرة الحاكمية في إطار استحضار معاني الجاهلية المعاصرة، وبناء على هـذا التقابل والتفاعل بين الحاكمية والجاهلية، تتضح أكثر معالم الحاكمية عنده، وخلال هـذا التقابل يلاحظ التفسير الحاد للصياغات التي يقدمها قطب، حيث يقول: [ ص: 182 ] «إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، جاهلية لا تخفف منها شيئا هـذه التفسيرات المادية الهائلة ... هـذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية » [4] .

فالجاهلية عند قطب خطر داهم لأنه لا يتصالح مع الحاكمية ، لأن الجاهلية عنده هـي أن: «تستند الحاكمية إلى البشر فتجعل بعضهم لبعض أربابا ... في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله للحياة، وفيما لم يأذن به الله» [5] . وتولي الجاهلية صفة الحاكمية ينتج عنه اعتداء على الإنسان، ولهذا يرى قطب أن مهانة الإنسان في الأنظمة الجماعية ما هـي إلا أثر من آثار الاعتداء على سلطان الله [6] .

ويدخل قطب كل المجتمعات سواء كانت عربية أو اتسمت بالإسلامية في إطار المجتمعات الجاهلية عند فقدها شرط الحاكمية ، إقرارا وتطبيقا، لأن معيار إسلامية المجتمع عند قطب يتحدد في مصدر تلقي النظم والشرائع والقيم والموازين والعادات والتقاليد وكل مقومات الحياة، هـل تتلقى من الحاكمية الإلهية ، فتدين بذلك له، وعلى هـذا الأساس تدخل في عداد المجتمعات المسلمة، أم أن هـذه المجتمعات تتلقى ذلكم من حاكمية البشر، [ ص: 183 ] ولا تدين بالعبودية لله وحده، في نظام حياتها، فتكون بذلك ضمن المجتمعات الجاهلية، وإن اعتقدت بألوهية الله تعالى وقدمت له سائر الشعائر التعبدية [7] . فمعقد الفك والربط، والفصل والوصل عند قطب هـو مفهوم الحاكمية الإلهية باعتبارها معيارا فاصلا بين الكفر والإيمان.

مشروع فكرة الحاكمية

طرح قطب فكرة الحاكمية في إطار تأسيس مشروع دعوي جديد داخل حركة الإخوان المسلمين، ويدل على هـذا أمور منها:

- دعوته إلى تأسيس «الطليعة الإسلامية»، يقول قطب في جواب عن إشكال طرحه وأجاب عنه في عملية البعث الإسلامي: «فكيف تبدأ عملية البعث الإسلامي؟ إنه لا بد من طليعة تعزم هـذه العزمة، وتمضي في الطريق، تمضي في خضم الجاهلية الضاربة الأطناب، في أرجاء الأرض جميعا، تمضي وهي تزاول نوعا من العزلة من جانب، ونوعا من الاتصال الآخر بالجاهلية المحيطة» [8] . وكان قطب يرتقب ظهور هـذه الطليعة حيث يقول: « لهذه الطليعة المرجوة المرتقبة كتبت معالم في الطريق» [9] . - اعتبار كل من «معالم في الطريق» «ومقدمة سورة الأنعام» - من تفسير الظلال - الأساس الفكري للطليعة الإسلامية. [ ص: 184 ] يقول سيد قطب : «ولا بد لهذه الطليعة أن تعزم هـذه العزمة من «معالم في الطريق» معالم تعرف منها طبيعة دورها وحقيقة وظيفتها وصلب غايتها، ونقطة البدء في المرحلة الطويلة» [10] .

- التأسيس الفعلي للطليعة الإسلامية، والاسترشاد بآراء وإرشادات سيد قطب ، تقول زينب الغزالي : «طلبت من حميدة قطب أن تبلغ الأخ سيد قطب رغبة الجماعة المجتمعة لدراسة منهج إسلامي في الاسترشاد بآرائه ... وبعد فترة رجعت إلي حميدة وأوصت بدراسة مقدمة سورة الأنعام، الطبعة الثانية، وأعطتني ملزمة من كتاب قالت: إن سيد يعده للطبع، واسمه معالم في الطريق. قررنا فيما قررنا بتعليمات من الإمام سيد قطب، وبإذن من الهضيبي أن تستغرق مدة التربية والإعداد ... ثلاثة عشر عاما مدة الدعوة في مكة» [11] .

وباعتبار أن معالم في الطريق والظلال في مواضع منه، منها تفسير سورة الأنعام مع مقدمتها، أهم المصادر المبلورة لفكرة الحاكمية عند قطب، فإن الحاكمية كان مشروع عمل له معالمه مع محاولة تطبيق مقتضياته التي يحملها على أرض الواقع.

وبناء على ذلك، فإن فكرة الحاكمية عند قطب ارتكزت على أمرين مهمين هـما: [ ص: 185 ] الأول: بيان حقيقة الجاهلية المعاصرة، وكشف حقيقتها مع تحديد موضع الدولة الوطنية التي كانت قائمة من هـذه الجاهلية، وطبيعة هـويتها.

الثاني: التأسيس لمشروع دعوي سياسي فعال يتحرك على أساس مفاهيم جديدة مخرجة على مفهوم الحاكمية القطبية.

اقتران الحاكمية بالمفهوم التوحيدي

كان سيد قطب لا يرى أي فرق بين مفهوم شهادة التوحيد ومفهوم الحاكمية ، حيث يعتبرهما صنوان، وأحدث نوعا من التقابل بين مصطلح الحاكمية وشهادة التوحيد، وهذا التقابل الذي أحدثه قطب يستند إلى مصطلح «الألوهية» حيث يقول: «فلقد كانوا يعرفون أن الألوهية تعني الحاكمية العليا ، وكانوا يعرفون أن توحيد الألوهية وإفراد الله سبحانه بها معناه نزع السلطان الذي يزاوله الكهان ومشيخة القبائل والأمراء والحكام ورده كله إلى الله، السلطان على الضمائر، والسلطان على الشعائر، والسلطان على واقعيات الحياة، والسلطان في القضاء، والسلطان في الأرواح والأبدان» [12] .

فلفظ «الإله» الذي هـو أحد الأبنية الأساسية في شهادة التوحيد، يخرج عليه قطب أهم خاصية لصيقة به ولا تنفك بحال عنه وهي الحاكمية ، ثم يجعل هـذا الجزء مرادفا للكل لتصبح شهادة التوحيد دالة على معنى واحد، [ ص: 186 ] وهو الحاكمية العليا، فقطب يبين أن قاعدة الألوهية هـي الأساس للدين كله، ويعبر عن هـذا المعنى بقوله: «إن طبيعة الدين هـي التي قضت بهذا، فهو دين يقوم كله على قاعدة الألوهية الواحدة، كل تنظيماته وكل تشريعاته تنبثق من هـذا الأصل الكبير» . [13]

وقد عبر قطب في غير موضع عن أن الحاكمية أهم خصائص الألوهية، وهو بذلك يعتبر أن الدين قائم على مبدأ الحاكمية. ويقول في موضع آخر: «فالإسلام منهج للحياة البشرية، وهو منهج يقوم على إفراد الله وحده بالألوهية متمثلة في الحاكمية» . [14] وفي تفسيره لآيات الحكم في سورة المائدة، يقول: «يتناول هـذا الدرس أخطر قضية من قضايا العقيدة الإسلامية، والمنهج الإسلامي، ونظام الحكم والحياة في الإسلام، ... إنها قضية الحكم والشريعة والتقاضي ومن ورائها قضية الألوهية والتوحيد والإيمان» . [15]

فسيد قطب يجعل قضية الحكم من أهم قضايا العقيدة والإيمان، بل ويعتبرها مسألة كفر أو إيمان، إسلام أو جاهلية، وهذه أحكام لها متعلقات عقدية، [ ص: 187 ] يقول سيد قطب : «إن المسألة - في هـذا كله - مسألة إيمان أو كفر، أو إسلام أو جاهلية، وشرع أو هـوى، وإنه لا وسط في هـذا الأمر ولا هـدنة ولا صلح، فالمؤمنون هـم الذين يحكمون بما أنزل الله - لا يخرمون منه حرفا ولا يبدلون منه شيئا - والكافرون الظالمون الفاسقون هـم الذين لا يحكمون بما أنزل الله» . [16]

ارتباط هـدف الدعوة بمفهوم الحاكمية

يلخص سيد قطب هـدف الدعوة في أمرين مهمين أحدهما مركب على الثاني:

الأول: تعريف الناس بإلههم، والثاني: رد الحاكمية إلى الله تعالى. حيث يقول: «هذه الدعوة على مدار التاريخ البشري تستهدف أمرا واحدا هـو تعريف الناس بإلههم الواحد، وربهم الحق، وتعبيدهم لربهم وحده ونبذ ربوبية الخلق». [17]

فالهدف الثاني مؤسس على الهدف الأول ومقتض له، حيث إن الناس إذا عرفوا حقيقة ربهم معرفة حقة، سلموا له تسليما مطلقا في جميع شئون الحياة بمقتضى حاكميته المطلقة. يقول قطب : «هذه طبيعة الدعوة إلى الله على مدار التاريخ البشري، إنها تستهدف الإسلام، إسلام العباد لرب العباد، وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، بإخراجهم من سلطان العباد في حاكميتهم وشرائعهم وقيمهم وتقاليدهم إلى سلطان الله وحاكميته وشريعته وحده في كل شأن من شئون الحياة» [18] . [ ص: 188 ] ويقول: « ... وأن يكون محور التجمع الجديد هـو القيادة الجديدة ... وتستهدف رد الناس إلى ألوهية الله وحده وربوبيته وقوامته وحاكميته وسلطانه وشريعته» [19] .

الحاكمية والشرك

يرى قطب أن الشرك وقع في حياة الناس بسبب خطئهم في معرفة حقيقة الله تعالى، أو بالإشراك مع الله تعالى آلهة أخرى. [20] وذلك إما في صورة الحاكمية أو الاتباع، وكلاهما شرك كالآخر يخرج به الناس من دين الله. [21] فهناك نوعان من الشرك مخرج من الملة عند قطب يكون أحدهما باعتقاد معتقدات لم ترد في الشرع من شأنها الإخلال بمبدأ الألوهية، كاعتقاد زوجة لله، أو ابن، أو شريك، وقد يكون ذلك في العبادة كالسجود لغير الله تعالى، وكل هـذه الصور يضمها الاعتقاد والعبادة، بمعنى جانب التصور العقدي، وجانب الممارسة التعبدية، والنوع الثاني تندرج تحته صورة الحاكمية والاتباع كالاعتقاد بحاكمية البشر وجعلها مصدرا لتشريع القيم والأخلاق والقوانين، ويعبر قطب عن هـذا المعنى بقوله: «ويرتدون إلى الجاهلية التي أخرجتهم منها، ويعودون إلى الشرك بالله مرة أخرى، إما في الاعتقاد والعبادة، وإما في الاتباع والحاكمية وإما فيهما جميعا» . [22] [ ص: 189 ]

حاكمية الله وحاكمية البشر

يطرح قطب علاقة جدلية بين حاكمية الله وحاكمية البشر مؤسسة على التنافر والتضاد وعدم المصالحة، إذ اجتماعهما متعذر وتوافقهما ضرب من المستحيل، لأن قطب يطرح مفهوما أحاديا للحاكمية، وهي الحاكمية الإلهية ، فإما أن توجد الأولى، ويكون بذلك المجتمع إسلاميا، وإما أن توجد الثانية فيكون المجتمع جاهليا، وتصبح الألوهية في المجتمع الجاهلي للبشر، وتتخذ صورا وأشكالا [23] . وبذلك يرى قطب أن إعلان ألوهية الله تعالى وحده تعني «الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها، وأنظمتها وأوضاعها، والتمرد على كل وضع في أرجاء الأرض، الحكم فيه للبشر بصورة من الصور، أو بتعبير آخر مرادف الألوهية فيه للبشر في صورة من الصور، ذلك أن الحكم الذي يرد الأمر فيه للبشر، ومصدر السلطات فيه هـم البشر هـو تأليه للبشر، يجعل بعضهم لبعض أربابا من دون الله، إن هـذا الإعلان معناه انتزاع سلطان الله المغتصب ورده إلى الله، وطرد المغتصبين له، الذين يحكمون الناس بشرائع من عند أنفسهم فيقومون منهم مقام الأرباب ويقوم الناس منهم مقام العبيد، إن معناه تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض» [24] . [ ص: 190 ] فهذا التنازع بين حاكمية الله وحاكمية البشر يطرحه قطب بقوة وعنف شديدين لتسود حاكمية واحدة.. والتأليه البشري الذي يتحدث عنه قطب ليس منصبا أو مقاما أو ذاتا، وإنما هـي خصيصة الحاكمية التي من اتصف بها ومارسها فقد تقلد صفة الإله، ترفعه إلى مقام الرب، ولهذا فالحاكمية صفة ملازمة لمبدأ الألوهية، ومن ادعاها فقد انتزع سلطان الله اغتصابا، وبناء على هـذه فقطب يدعو بقوة إلى انتزاع سلطان الله المغتصب، وإلى رد الحاكمية إلى صاحبها، والثورة على حاكمية البشر المزعومة، والتمرد الكامل في كل أرض تكون فيها مصدر السلطة للبشر «والمجتمع المسلم المتميز المستقل لا يعترف لأحد من البشر بالحاكمية فيه إلا لله وحده». [25]

مفهوم الحاكمية التطبيقي

يوضح قطب طبيعة الحاكمية التي يدعو إليها، وذلك بانتقاله من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق وإعطاء النموذج، لتكون أيسر على الفهم وأقرب إلى الواقع، يقول: «ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم - هـم رجال الدين - كما كان الأمر في سلطان الكنيسة، ولا رجال ينطقون باسم الآلهة كما كان الحال فيما يعرف باسم الثيوقراطية ، أو الحكم الإلهي المقدس ، ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هـي الحاكمة وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة ... وسيادة الشريعة الإلهية وحدها وإلغاء القوانين البشرية» . [26] . [ ص: 191 ] فالحاكمية في نهايتها ترجع إلى معنى حاكمية الوحي، أو سيادة الشريعة الإسلامية، فإعلان الحاكمية الإلهية لا يفهم منه إلا أن تكون شريعة الله حاكمة سائدة سيدة على غيرها من القوانين، وأي قانون يعارضها يقضى عليه بالإلغاء والإبطال. يقول قطب : «حين تكون الحاكمية العليا في مجتمع لله وحده، متمثلة في سيادة الشريعة الإلهية، يكون هـذه الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحررا كاملا حقيقيا من العبودية للبشر» . [27]

مدلول الحاكمية والشريعة

يجعل قطب سيادة الشريعة تطبيقا عمليا لمدول الحاكمية العليا في التصور الإسلامي، ويستعملها على أنهما مترادفان في الدلالة، للتعبير عن معنى عملي وتطبيقي، ويعطي قطب للحاكمية بعدا واسعا، حيث لا يحصرها في تلقي القوانين من الله، والتحاكم إليها دون سواها. [28] بل يعتبر هـذا المعنى ضيقا ولكن يعطيها معنى واسعا لتشمل كل أنظمة الحياة ومقوماتها، فهي تشمل أصول الاعتقاد، وأصول الحكم، وأصول الأخلاق، وأصول السلوك، وأصول المعرفة. [29] وبذلك فالحاكمية عند قطب تتصف بالشمولية والكلية. [ ص: 192 ]

وأخيرا

فقد شكلت فكرة الحاكمية ، كما رأينا عند سيد قطب ، رحمه الله، منعطفا حاسما في فكره وآرائه وأحكامه، في قضايا أساسية لها تعلق بقضايا السياسة والحكم، وتعتبر فكرة الحاكمية هـي آخر فكرة أسس عليها سيد قطب فلسفته في كل ما كتب، حيث مثلت الحاكمية تيارا سرى في كل ضروب مؤلفاته الأخيرة.

وما يلاحظ على سيد قطب أنه بالغ في تحديده للأبعاد العقدية للحاكمية، حيث بلوره في إطار مفهوم توحيدي خالص، فللمتأمل في ما كتبه سيد قطب يمكن أن يلاحظ شيئا اسمه « توحيد الحاكمية ».

والحقيقة أن إدخال الحاكمية ضمن المفاهيم العقدية الخالصة، والمصطلحات التوحيدية، له خطره في تطبيقاته على مستوى الواقع، لأن ارتباط الحاكمية بقضايا أصول الدين يجعل الأحكام التي تخرج عليه لها تعلق بالكفر والإيمان، لكن الأمر يختلف عند إبقاء هـذا المفهوم ضمن المفاهيم الفقهية والسياسية، مع الإقرار بالأبعاد العقدية التي يحملها هـذا المفهوم. [ ص: 193 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية