الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان قال مجاهد : يعني: الفرق بين الحق والباطل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الفرق بينهم وبين قوم فرعون في النجاة والغرق، ومنه قيل ليوم بدر : (يوم الفرقان) .

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: الفرقان: هو الكتاب، أعيد ذكره تأكيدا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 216 ] وقيل: المعنى: آتينا موسى الكتاب، ومحمدا الفرقان، [واستشهد على ذلك بقول الشاعر: [من الرجز]


                                                                                                                                                                                                                                      (علفتها تبنا وماء باردا)

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر: [من الطويل]


                                                                                                                                                                                                                                      تراه كأن الله يجدع أنفه     وعينيه إن مولاه ثاب له وفر

                                                                                                                                                                                                                                      أي: ويفقأ عينيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وإذ آتينا موسى الكتاب، والإيمان بالفرقان; أي: الفرقان الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم].

                                                                                                                                                                                                                                      فتوبوا إلى بارئكم أي: خالقكم، برأ الله الخلق يبرؤهم، وأصله من (تبرأ الشيء من الشيء) ؛ وهو انفصاله منه، فالخلق قد فصلوا من العدم إلى الوجود.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 217 ] قيل: إن موسى عليه السلام أسمع السبعين الذين اختارهم كلام الله تعالى، فقالوا له بعد ذلك: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، فأرسل الله عليهم نارا من السماء، فأحرقتهم، ثم دعا موسى ربه، فأحياهم كما قال: ثم بعثناكم من بعد موتكم ، ومعنى {جهرة} : عيانا، و {الصاعقة} : كل شيء عظيم مهول.

                                                                                                                                                                                                                                      وظللنا عليكم الغمام :

                                                                                                                                                                                                                                      {الغمام} : السحاب الذي يظل، ظللهم الله تعالى به حين شكوا حر الشمس في التيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأنـزلنا عليكم المن والسلوى :

                                                                                                                                                                                                                                      {المن} في قول ابن عباس : الذي يسقط على الشجر، وهو معروف.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي : هو الزنجبيل.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : هو صمغة.

                                                                                                                                                                                                                                      الربيع بن أنس : هو شراب العسل، كانوا يمزجونه بالماء ويشربونه.

                                                                                                                                                                                                                                      وهب بن منبه : هو خبز مرقق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو الترنجبين، وقيل: هو العسل، وقيل: هو ما من الله عليهم به من [ ص: 218 ] طعام وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      و {السلوى} : هو طائر كالسمانى.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك : هو السمانى نفسه.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : هو طير إلى الحمرة، كانت تحشره عليهم الجنوب.

                                                                                                                                                                                                                                      وواحد {السلوى} عند الخليل : (سلواة) ، وواحده عند الأخفش كجمعه.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : كان المن يسقط عليهم في مجالسهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كسقوط الثلج، فيأخذ الرجل ما يكفيه ليومه، وإن أخذ أكثر من ذلك فسد.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان سبب التيه امتناع بني إسرائيل من الخروج مع موسى إلى ما أمروا به من قتال الجبارين، فتاهوا أربعين سنة في أربعة فراسخ يمشون كل يوم، ويمسون حيث يصبحون، وأمر الله موسى، فضرب الحجر بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، لكل سبط منهم عين، وكانوا اثني عشر سبطا، فإذا أخذوا من الماء حاجتهم; احتبس، وحملوا الحجر معهم، وكانت ثيابهم فيما روي- لا تتخرق، [ ص: 219 ] ولا تتدنس، وتطول كلما طال الصبيان.

                                                                                                                                                                                                                                      كلوا من طيبات ما رزقناكم قيل: يعني: الحلال، وقيل: الطيب من الرزق.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية يعني: بيت المقدس، وسميت القرية قرية; لاجتماع الناس فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      و {الباب} الذي أمروا بدخوله: باب حطة، عن مجاهد وغيره، وقيل: باب القبة التي كان يصلي إليها موسى وبنو إسرائيل .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله: {سجدا} : ركعا، عن ابن عباس وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      روي: أن الباب جعل قصيرا، ليدخلوه ركعا، فدخلوه متوركين على أستاههم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 220 ] وقيل: معنى {سجدا} : خاضعين متواضعين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقولوا حطة قال الحسن، وغيره: معناه: حط عنا ذنوبنا.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : أمروا أن يستغفروا.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة: معناها: لا إله إلا الله.

                                                                                                                                                                                                                                      نغفر لكم خطاياكم (الخطايا) : جمع خطيئة، وتكسيرها مذكور في أصول القراءات في "الكبير".

                                                                                                                                                                                                                                      وسنـزيد المحسنين أي: سنزيدهم إحسانا على الإحسان المتقدم عندهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم قالوا: (حنطة) مكان (حطة) ؛ استهزاء، عن ابن عباس وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الرجز) : العذاب، عن الأخفش وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ويقال: بالسين، الكسائي : (الرجز) : العذاب، (والرجس) : النتن، و (الرجز) أيضا: اسم صنم.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم خبر: وإذ استسقى موسى لقومه ، ومعنى {استسقى} : استدعى أن يسقى، و (المشرب) : موضع الشرب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 221 ] ولا تعثوا في الأرض مفسدين أي: لا تسعوا، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      (عثي يعثى عثا) ، وعثا يعثو عثوا، وعاث يعيث عيثا، وعيوثا، ومعاثا; وهو الإسراع في الفساد، ومجيء {مفسدين} بعده تأكيدا.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد الآية، المراد بقوله: طعام واحد : المن والسلوى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من بقلها وقثائها (البقل) : كل نبات، و (القثاء) : معروف، الواحد: قثاءة.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الفوم) في قول ابن عباس : البر، مجاهد : الخبز، الضحاك: الثوم، فهو على هذا كقولهم: (جدث) ، و (جدف) ، وقيل: إنها في مصحف ابن مسعود كذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 222 ] ابن زيد : (الفوم) : الزرع، أو الحنطة، وأزد السراة يسمون السنبل فوما.

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء، وقتادة : (الفوم) : كل حب يختبز.

                                                                                                                                                                                                                                      أتستبدلون الذي هو أدنى :

                                                                                                                                                                                                                                      أي: أقل قيمة، وهو مأخوذ من (الدنو) ؛ وهو القرب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو من (الدون) ، فهو مقلوب، وأصله: (أدون) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو من (الدناءة) ، فالألف بدل من الهمزة على غير قياس.

                                                                                                                                                                                                                                      اهبطوا مصرا :

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن وغيره: هي مصر بعينها، وصرف على أنه اسم للمكان، فإذا جعلته اسما للبقعة; لم يصرف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: صرفت لخفتها، فهي مثل: (هند) ، وشبهه.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد وغيره: معناه: مصرا من الأمصار، وقيل: المراد به: الشام.

                                                                                                                                                                                                                                      وضربت عليهم الذلة أي: الصغار.

                                                                                                                                                                                                                                      {والمسكنة} مصدر (المسكين) ، عن أبي عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، وقتادة : يعني: الجزية يعطونها عن يد وهم صاغرون.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 223 ] أبو العالية : {المسكنة} : الفاقة والحاجة.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : هي الخضوع، واشتقاقها من (السكون) .

                                                                                                                                                                                                                                      وباءوا بغضب من الله قال المبرد : (باء بذنبه) ؛ أي: نزل عن هذه المنزلة، من قولهم: (بوأته منزلا) ، وقيل: معناه: احتملوه.

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله أي: استحقوا ذلك بكفرهم، وقيل: المعنى: ذلك لأنهم، فـ (الباء) بمعنى (اللام) .

                                                                                                                                                                                                                                      ويقتلون النبيين النبيء: مشتق من (النبإ) ؛ وهو الخبر، فهو مخبر عن الله عز وجل، وهو بغير همز مخفف من المهموز، وقيل: هو إذا لم يهمز من (نبا ينبو) ؛ إذا ارتفع.

                                                                                                                                                                                                                                      [وقال: بغير حق ، وقتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق، كما تقول العرب: (فلان لا يرجى خيره) ، وهو لا خير فيه، وقيل: (ما رأيت كذا) ، وهو لم يره، وكذلك قوله: ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به [المؤمنون: 117]، ودعاء إله آخر مع الله لا يكون إلا بغير برهان]، [ونظائره كثيرة، وهو مذهب [ ص: 224 ] معروف في اللغة].

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (الاعتداء) : التجاوز في الباطل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية