الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وأما في «التوهم» بلفظ التهمة; وأصله وهمة. يقال إذا توهم في الإنسان شيء من الريب، ثم قد يكون ما اتهم به حقا، [ ص: 317 ] وقد يكون باطلا، ولها في الشريعة حكم معروف، حيث يحبس فيها المجهول الحال، كما في حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس في التهمة» ولهذا صنف الحارث المحاسبي كتابا سماه «كتاب التوهم» مضمونه أن يتصور الإنسان في نفسه، ما أخبر الله به من أمور الآخرة وغيرها، ليتذكر ذلك ويحققه في نفسه. واسم الجنس إذا كان يعم نوعين، أحدهما أشرف من الآخر، فقد يخصون [ ص: 318 ] في العرف النوع الأشرف باسمه الخاص، ويبقون الاسم العام مختصا بالنوع المفضول، كما في لفظ الحيوان، والدابة وذوي الأرحام والجائز، والممكن، والمباح، وغير ذلك، فلهذا كثيرا ما يخص بلفظ الوهم، والخيال النوع الناقص، وهو الباطل الذي لا حقيقة له، وأما ما كان حقا مما يتخيل ويتوهم، فيسمونه باسمه الخاص، من أنه حق وصدق ونحو ذلك، ومن أنه معلوم ومعقول، فإنه إذا كان حقا عقله القلب، فصار معقولا، كما يعقل أمثاله، ويقال: إنه متصور، ومتذكر ونحو ذلك. وهذا بخلاف لفظ العلم والعقل والإحساس، فإن هذا إنما يقال على نفس الإدراك، الذي هو الإدراك الصحيح. ولفظ التخيل والتوهم، لا يدل على نفس الإدراك; وإنما يدل على نحو الاعتقاد، الذي يكون مطابقا للإدراك تارة، ويكون فيما تصور في النفس وتألف فيها وتنشأ فيها، كما تنشأ فيها العلوم بالنظر والاستدلال. وهذا الثاني يكون حقا تارة وباطلا أخرى، كما أن ما يثبته الإنسان في نفسه، من الاعتقادات بالنظر والاستدلال، قد يكون حقا، وقد يكون باطلا. ومن هذا التخيل والتوهم، ما يراه الإنسان في منامه، فإنه ينشأ في نفسه في النوم، وإن لم يكن رآه بعينه في النظر.

وإذا كان كذلك لم يصلح أن يجمع بين لفظ الحس، وبين لفظ الوهم والخيال، ويجعلهما في قرن واحد، حتى يقول: «لا بد من الاعتراف بوجود شيء، على خلاف حكم الحس [ ص: 319 ] والخيال» فإن الإحساس هو موجب العلم الصحيح، وأصله الإبصار، كما قال تعالى: وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا [مريم: 98] وقال يعقوب: يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه [يوسف: 87] وقال تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله [آل عمران: 52] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء» وأما الخيال والوهم، فهو من نحو الاعتقاد، الذي يكون حقا تارة وباطلا أخرى، وقد يخص باسم الباطل. فأين هذا من هذا؟

وإن أراد أنه لا يحس، أي: لا يرى. فهذا باطل، كما تقدم التنبيه عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية