الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقولك: وأما القسم الثاني: وهو القول بأن أحد الجانبين مخالف للجانب الآخر في الحقيقة والماهية، فنقول إن هذا محال من وجوه:

الأول: أن هذا يقتضي كون ذاته مركبة، وهو باطل كما بيناه.

يقال لك قد تقدم الكلام على إبطال حجة التركيب بما يظهر به فسادها لكل عاقل لبيب.

فقولك: الثاني أنا بينا أنه لا معنى للمتحيز إلا الشيء الممتد في الجهات المختصة بالأحياز، وبينا أن المقدار يمتنع أن يكون صفة، بل يجب أن يكون ذاتا، وبينا أنه متى كان الأمر كذلك كان جميع المتحيزات متساوية، وإذا كان كذلك امتنع القول بأن أحد جانبي ذلك الشيء يخالف الجانب [ ص: 776 ] الآخر في الحقيقة والماهية.

فيقال لك: هذه حجة تماثل الأجسام، وقد تقدم أنها من أبطل ما في العالم من الكلام، وهي منشؤها من كلام المعتزلة والجهمية، كما ذكره الأشعري وغيره، كما أن الأولى من كلام الفلاسفة والصابئة، وهي أيضا من حجج المعتزلة والجهمية، وقد تبين أن المقدار صفة للشيء المقدر المحدود، وليس هو عين الشيء المقدر المحدود، وتبين أيضا أنه لو كان المقدار هو الذات لم يجب أن تكون المقدورات متساويات، فإن بينها اختلافا في صفات ذاتيات لها، وهي مختلفة في تلك الصفات الذاتيات، وإن كانت مشتركة في أصل [ ص: 777 ] المقدار الذي جعلته الذات، وغايتها أن تكون بمنزلة الأنواع المشتركة في الجنس المتمايزة بالفصول.

وأيضا فأنت وسائر الصفاتية بل وجميع العباد يثبتون لله معاني ليست متماثلة، بل هذا واجب في كل موجود، مثل إثبات أنه موجود بنفسه ومبدع بنفسه ومبدع لغيره، وأنه عالم وأنه قادر وأنه حي، وهذه حقائق مختلفة؛ فالقول في اقتضائها للتركيب كالقول في اختلاف الجانبين كذلك، كما تقدم ذلك.

وأما حجة تساوي الأبعاد وتماثلها؛ فهذه الحجة إن صحت فهي كافية في نفي كونه كذلك، سواء قيل إنه متناه أو غير متناه، والحجة المستقلة بنفسها في المطلوب لا تصلح أن تجعل دليل بعض مقدمات دليل المطلوب؛ لأن هذا تطويل وعدول عن سواء السبيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية