الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          337 334 - ( مالك عن صالح بن كيسان ) بفتح الكاف وسكون التحتية المدني ، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز ، ثقة ثبت فقيه مات بعد سنة ثلاثين أو بعد أربعين ومائة ، له في الموطأ حديثان مسندان ، وذكر الحاكم أنه عاش مائة ونيفا وستين سنة ولقي جماعة من الصحابة ، ثم بعد ذلك تلمذ للزهري وتلقن عنه العلم وهو ابن تسعين سنة ، قال الحافظ في تهذيب التهذيب : وهذه مجازفة قبيحة مقتضاها أن يكون صالح ولد قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم وما أدري من أين وقع ذلك للحاكم ، ولو كان طلب العلم كما حدد الحاكم لكان قد أخذ عن سعد بن أبي وقاص وعائشة ، وقد قال ابن المديني أنه لم يلحق عقبة بن عامر . انتهى .

                                                                                                          ( عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : فرضت الصلاة ) وللتنيسي فرض الله الصلاة حين فرضها ( ركعتين ركعتين ) بالتكرير لإفادة عموم التثنية لكل صلاة ( في الحضر والسفر ) ، زاد ابن إسحاق قال : حدثني صالح بن كيسان المدني بهذا الإسناد إلا المغرب فإنها كانت ثلاثا أخرجه أحمد من طريقه .

                                                                                                          ( فأقرت صلاة السفر ) ركعتين ركعتين ( وزيد في صلاة الحضر ) بعد الهجرة .

                                                                                                          ففي البخاري من رواية الزهري عن عروة عن عائشة : " فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعا " ، وروى ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : " فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب لأنها وتر النهار " ، واحتج بظاهر هذا الحنفية وموافقوهم [ ص: 511 ] على أن القصر في السفر عزيمة لا رخصة واستدل مخالفوهم بقوله تعالى : فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ( سورة النساء : الآية 101 ) لأن نفي الجناح لا يدل على العزيمة ، والقصر إنما يكون من شيء أطول منه وبقوله صلى الله عليه وسلم : " صدقة تصدق الله بها عليكم " فالمفروض الأربع إلا أنه رخص بأداء ركعتين ، وأجابوا عن حديث عائشة بأنه غير مرفوع وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة .

                                                                                                          قال الخطابي وغيره : قال الحافظ : وفيه نظر لأنه مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع ، وعلى تسليم أنها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابي وهو حجة لأنه يحمل على أنها أخذته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي أدرك ذلك ، وقول إمام الحرمين : لو ثبت لنقل متواترا فيه نظر أيضا ، لأن المتواتر في مثل هذا لا يلزم ، والذي يظهر وبه تجتمع الأدلة أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زيدت بعد الهجرة إلا الصبح ، ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول : فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ، ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة وهو مأخوذ من قول غيره أن نزول آية الخوف كان فيها .

                                                                                                          وذكر الدولابي أن القصر كان في ربيع الآخر من السنة الثانية .

                                                                                                          وذكره السهيلي بلفظ : بعد الهجرة بعام أو نحوه وقيل بعد الهجرة بأربعين يوما ، فعلى هذا المراد بقول عائشة : فأقرت صلاة السفر ، أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف لأنها استمرت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة كما يقوله الحنفية ، وقد ألزموا على قاعدتهم إذا عارض رأي الصحابي روايته فالعبرة عندهم برأيه لا بمرويه ، وخالفوا ذلك ، هنا فقد ثبت أن عائشة كانت تتم في السفر ، والجواب عنهم أن عروة الراوي عنها قال لما سأله الزهري عن إتمامها في السفر : إنها تأولت كما تأول عثمان ، فروايتها صحيحة ورأيها مبني على ما تأولت فلا تعارض بينهما ، وقد اختلف فيما تأولا فقيل : رأيا أنه صلى الله عليه وسلم إنما قصر أخذا بالأيسر من ذلك على أمته فأخذا لأنفسهما بالشدة ، صححه ابن بطال وجماعة آخرهم القرطبي .

                                                                                                          وروى ابن خزيمة أن عائشة كانت تتم فإذا احتجوا عليها تقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حرب وكان يخاف فهل تخافون أنتم ؟ وروى البيهقي بسند صحيح عن عروة : " أن عائشة كانت تصلي في السفر أربعا ، فقلت لها : لو صليت ركعتين ، فقالت : يا ابن أختي إنه لا يشق علي " ، وهذا يدل على أنها تأولت أن القصر رخصة وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل .

                                                                                                          وقال النووي : الصحيح الذي عليه المحققون أن عثمان وعائشة رأيا القصر جائزا والإتمام جائزا فأخذا بأحد الجائزين وهو الإتمام انتهى .

                                                                                                          وروى الطبراني وأبو يعلى بإسناد جيد عن أبي هريرة : " أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وكلهم كان يصلي ركعتين من حين يخرج من المدينة إلى مكة حتى يرجع إلى المدينة في السير وفي المقام بمكة " ، وحديث [ ص: 512 ] الباب رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية