الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 151 ] القسم الثالث

من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله‏ : الإجازة

وهي متنوعة أنواعا‏ :

أولها‏ : أن يجيز لمعين في معين ، مثل أن يقول : " ‏أجزت لك الكتاب الفلاني ، أو‏ : ما اشتملت عليه فهرستي هذه‏ " ، فهذا على أنواع الإجازة المجردة عن المناولة‏ . ‏ وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها ، ولا خالف فيها أهل الظاهر‏ ، وإنما خلافهم في غير هذا النوع‏ . ‏ وزاد ‏القاضي أبو الوليد الباجي المالكي‏ فأطلق نفي الخلاف ، وقال‏ : " لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها " ، وادعى الإجماع من غير تفصيل ، وحكى الخلاف في العمل بها‏ ، ( والله أعلم‏‏‏ ) . ‏

قلت‏ : هذا باطل ، فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة [ ص: 152 ] جماعات من أهل الحديث ، والفقهاء ، والأصوليين ، وذلك إحدى الروايتين عن ‏الشافعي‏ ‏رضي الله عنه . ‏ روي عن صاحبه ‏الربيع بن سليمان‏ قال‏ : " كان ‏الشافعي‏ لا يرى الإجازة في الحديث‏ . ‏ قال الربيع‏ : أنا أخالف الشافعي في هذا‏ . ‏

وقد قال بإبطالها جماعة من الشافعيين ، منهم القاضيان حسين بن محمد المروروذي ، و‏أبو الحسن الماوردي‏ ، وبه قطع الماوردي في كتابه ( ‏الحاوي ) ، وعزاه إلى مذهب الشافعي ، وقالا جميعا‏ : " لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة‏ " . ‏ وروي أيضا هذا الكلام عن شعبة ، وغيره‏ . ‏

وممن أبطلها من أهل الحديث ‏الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي‏ ، و‏أبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني‏ الملقب بأبي الشيخ ، و‏‏الحافظ أبو نصر الوايلي السجزي‏ . ‏ وحكى أبو نصر فسادها عن بعض من لقيه‏ . ‏ قال أبو نصر‏ : وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون‏ : قول المحدث : ‏قد أجزت لك أن تروي عني‏ تقديره : ‏أجزت لك ما لا يجوز في الشرع‏ ; لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع‏ . ‏

قلت‏ : ويشبه هذا ما حكاه ‏أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي‏ أحد من أبطل الإجازة من الشافعية ، عن ‏أبي طاهر الدباس‏ أحد أئمة [ ص: 153 ] الحنفية قال‏ : من قال لغيره : " ‏أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع‏ " ، فكأنه يقول : " ‏أجزت لك أن تكذب علي‏ " . ‏

ثم إن الذي استقر عليه العمل ، وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث ، وغيرهم : القول بتجويز الإجازة ، وإباحة الرواية بها .

وفي الاحتجاج لذلك غموض‏ ، ويتجه أن يقول‏ : إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته ، وقد أخبره بها جملة ، فهو كما لو أخبره تفصيلا ، وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ كما سبق ، وإنما الغرض حصول الإفهام ، والفهم ، وذلك يحصل بالإجازة المفهمة ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

[ ص: 154 ] ثم إنه كما تجوز الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها ، خلافا لمن قال من أهل الظاهر ، ومن تابعهم‏ : إنه لا يجب العمل به ، وإنه جار مجرى المرسل‏ . ‏ وهذا باطل ، لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها ، وفي الثقة به ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية