الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الخامس من أنواع الإجازة‏ : الإجازة للمعدوم‏ . ‏ ولنذكر معه الإجازة للطفل الصغير‏ . ‏

هذا نوع خاض فيه قوم من المتأخرين ، واختلفوا في جوازه ، ومثاله‏ : أن يقول : ( أجزت لمن يولد لفلان‏ ) . ‏

فإن عطف المعدوم في ذلك على الموجود بأن قال‏ : ( أجزت لفلان ولمن يولد له ، أو‏ أجزت لك ولولدك ، ولعقبك ما تناسلوا ) ، كان ذلك أقرب إلى الجواز من الأول‏ . ‏ ولمثل ذلك أجاز أصحاب ‏الشافعي‏ رضي الله عنه في الوقف القسم الثاني دون الأول‏ . ‏

وقد أجاز ‏أصحاب مالك ، وأبي حنيفة‏ رضي الله عنهما - أو من قال ذلك منهم في الوقف - القسمين [ ص: 159 ] كليهما‏ . ‏

وفعل هذا الثاني في الإجازة من المحدثين المتقدمين ‏أبو بكر بن أبي داود السجستاني ، فإنا روينا عنه أنه سئل الإجازة ، فقال‏ : " قد أجزت لك ، ولأولادك ، ولحبل الحبلة‏ " . ‏ يعني الذين لم يولدوا بعد‏ . ‏

وأما الإجازة للمعدوم ابتداء ، من غير عطف على موجود‏ : فقد أجازها الخطيب أبو بكر الحافظ‏ ، وذكر أنه سمع ‏أبا يعلى بن الفراء الحنبلي ، و‏أبا الفضل بن عمروس المالكي‏ يجيزان ذلك‏ . ‏ وحكى جواز ذلك أيضا ‏أبو نصر بن الصباغ الفقيه‏ ، فقال‏ : ذهب قوم إلى أنه يجوز أن يجيز لمن لم يخلق‏ ، قال‏ : " وهذا إنما ذهب إليه من يعتقد أن الإجازة إذن في الرواية لا محادثة‏ " . ‏ ثم بين بطلان هذه الإجازة ، وهو الذي استقر عليه رأي شيخه القاضي أبي الطيب الطبري الإمام‏ .

وذلك هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره ; لأن الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز ، على ما قدمناه في بيان صحة أصل الإجازة ، فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة للمعدوم‏ . ‏ ولو قدرنا أن الإجازة إذن فلا يصح أيضا ذلك للمعدوم ، كما لا يصح الإذن في باب الوكالة للمعدوم ، لوقوعه في حالة لا يصح فيها المأذون فيه من المأذون له‏ . ‏

وهذا أيضا يوجب بطلان الإجازة للطفل الصغير الذي لا يصح [ ص: 160 ] سماعه‏ . ‏

قال الخطيب‏ : سألت ‏القاضي أبا الطيب الطبري‏ عن الإجازة للطفل الصغير ، هل يعتبر في صحتها سنه أو تمييزه ، كما يعتبر ذلك في صحة سماعه ؟ فقال‏ : لا يعتبر ذلك‏ ، قال‏ : فقلت له‏ : أن بعض أصحابنا قال‏ : لا تصح الإجازة لمن لا يصح سماعه‏ ، فقال‏ : قد يصح أن يجيز ذلك للغائب عنه ، ولا يصح السماع له‏ . ‏ واحتج ‏الخطيب‏ لصحتها للطفل‏ بأن الإجازة إنما هي إباحة المجيز للمجاز له أن يروي عنه ، والإباحة تصح للعاقل ، وغير العاقل‏ . ‏

قال‏ : وعلى هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون للأطفال الغيب عنهم ، من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنانهم ، وحال تمييزهم‏ ، ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن مولودا في الحال‏ . ‏

قلت‏ : ‏كأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع تحمل الحديث ، ليؤدي به بعد حصول أهليته ، حرصا على توسيع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه الأمة ، وتقريبه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ( والله أعلم‏‏‏ ) . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية