الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1719 390 - (حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن حميد بن قيس، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعلك آذاك هوامك؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك بشاة).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للآية الكريمة ظاهرة، وحميد، مصغر الحمد، ابن قيس أبو صفوان مولى عبد الله بن الزبير الأعرج القارئ، مات في خلافة السفاح، وكعب بن عجرة، بضم العين، وقد مر في كتاب الصلاة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري في الحج عن أبي نعيم، وعن أبي الوليد، وعن إسحاق، وعن محمد بن يوسف، فهؤلاء أربعة، ومع عبد الله [ ص: 151 ] ابن يوسف خمسة أخرج عنهم في الحج على التوالي، وأخرجه أيضا في الطب عن قبيصة، وعن أبي عبد الله، وفي المغازي عن أبي عبد الله أيضا، وفي النذور عن أحمد بن يونس، وفي المغازي أيضا عن الحسن بن خلف، وعن سليمان بن حرب، وفي الطب أيضا عن مسدد، وأخرجه مسلم في الحج عن عبيد الله بن عمر القواريري، وأبي الربيع الزهراني، وعن علي بن حجر، وزهير بن حرب، ويعقوب بن إبراهيم، وعن محمد بن المثنى، وعن محمد بن عبد الله بن نمير، وعن ابن أبي عمر، وعن يحيى بن يحيى.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود فيه أيضا عن وهب بن بقية، وعن موسى بن إسماعيل، وعن محمد بن منصور، وعن قتيبة، وعن القعنبي عن مالك. وأخرجه الترمذي فيه عن ابن عمر، وفي التفسير عن علي بن حجر في ثلاثة مواضع، وأخرجه النسائي في الحج عن محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين، وعن محمد بن عبد الأعلى، وفيه وفي التفسير عن عمرو بن علي، وأخرجه ابن ماجه من رواية أسامة بن زيد عن محمد بن كعب القرظي عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  (ذكر اختلاف ألفاظه) قد مضت رواية البخاري: " لعلك آذاك هوامك؟"، وفي لفظ: " تؤذيك هوامك"، وفي لفظ مسلم: " أتؤذيك هوام رأسك"، وفي لفظ أبي داود: " قد آذاك هوام رأسك"، وفي لفظ: " أصابني هوام في رأسي وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى تخوفت على بصري"، ولفظ الترمذي: " أتؤذيك هوامك هذه"، ولفظ النسائي: " أتؤذيك هوامك"، وفي لفظ أحمد: " تؤذيك هوام رأسك"، وفي لفظ له: " فأرسل إلي فدعاني، فلما رآني قال: لقد أصابك بلاء ونحن لا نشعر، ادعوا إلي الحجام، فحلقني"، ومن لفظه: " وقع القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي".

                                                                                                                                                                                  وفي لفظ للبخاري: " وقف علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، ورأسي يتهافت قملا"، وفي لفظ:" والقمل يتناثر على وجهي"، وفي لفظ: " رآه وقمله على وجهه"، ولفظ مسلم: " ورأسه يتهافت قملا"، وفي لفظ: " والقمل يتهافت على وجهه"، وفي لفظ: " فقمل رأسه ولحيته"، وفي لفظ النسائي: " والقمل يتناثر على وجهي أو حاجبي"، وفي لفظ: " ورأسي يتهافت قملا"، وفي لفظ للطبراني: " مر بي وعلي وفرة من أصل كل شعرة إلى فرعها قمل وصيبان"، وفي لفظ: " حتى تخوفت على بصري، فأنزل الله تعالى الآية"، وفي لفظ للطبري: " فحك رأسي بأصبعه فانتثر منه القمل"، وفي لفظ في مقامات التنزيل: " فوقع القمل في رأسي ولحيي حتى وقع في حاجبي".

                                                                                                                                                                                  ولفظ البخاري في الحديث المذكور: (احلق رأسك وصم...) إلى آخره. وفي لفظ له: " فأمره أن يحلق وهو بالحديبية"، وفي لفظ: " فدعا الحلاق فحلقه ثم أمرني بالفداء"، وفي لفظ: " فاحلق وصم ثلاثة أيام"، وفي لفظ مسلم: " فاحلق رأسك، وأطعم فرقا بين ستة مساكين"، وفي لفظ: احلق ثم اذبح شاة نسكا"، وفي لفظ: " فدعا الحلاق فحلق رأسه"، وفي لفظ أبي داود: " فدعاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لي: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام"، وفي لفظ للترمذي: " احلق وأطعم فرقا"، وفي لفظ للنسائي: " فاحلق رأسك وانسك نسيكة"، وفي لفظ ابن ماجه: " أمرني النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حين آذاني القمل أن أحلق رأسي وأصوم ثلاثة أيام"، وفي لفظ للطبراني: " احلق واهد هديا"، وفي لفظ له: " اهد بقرة وأشعرها وقلدها فافتدى ببقرة"، وفي لفظ: " مر به فأمره أن يحلق وجاءه الوحي فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: إن شئت فصم ثلاثة أيام"، وفي لفظ: " انسك ما تيسر"، وفي لفظ: " أو اذبح ذبيحة"، وفي لفظ: " فاحلق أو جزه إن شئت وأطعم ستة مساكين ".

                                                                                                                                                                                  وروى الواحدي في أسباب النزول من رواية المغيرة بن صقلاب قال: حدثنا عمر بن قيس المكي عن عطاء عن ابن عباس قال: لما نزلنا الحديبية جاء كعب بن عجرة تنثر هوام رأسه على جبهته، فقال: يا رسول الله، هذا القمل قد أكلني، قال: احلق وافده. قال: فحلق كعب، ونحر بقرة، فأنزل الله عز وجل في ذلك الوقت: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه "، قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصيام ثلاثة أيام، والنسك شاة، والصدقة الفرق بين ستة مساكين لكل مسكين مدان "، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله: هذا حديث شاذ منكر، وعمر بن قيس هو المعروف بسند منكر الحديث، ولم ينقل أن ابن عباس كان في عمرة الحديبية. وقال الشافعي: إن ابن عباس لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحرام إلا في حجة الوداع، ومن المنكر قوله: (ونحر بقرة)، ففي الصحيح: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أتجد شاة؟ قال: لا، وإنه أمر بالصوم أو الإطعام". انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: الحديث يدل على أن ابن عباس كان [ ص: 152 ] مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في عمرة الحديبية، والشافعي ينفي، والمثبت مقدم، وأما نحر البقرة فقد رواه الطبراني أيضا كما ذكرناه عن قريب.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه)؛ قوله: (لعلك آذاك)، وفي لفظ له: " حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي لفظ: " وقف علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية"، وفي لفظ: " إنه صلى الله عليه وسلم رآه، وإنه يسقط على وجهه"، وفي لفظ: " مر بي النبي صلى الله عليه وسلم"، وفي لفظ لمسلم: " قال: فأتيته قال: أدنه"، وفي لفظ له: " مر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة، وهو محرم". فإن قلت: ما الجمع بين اختلاف هذه الروايات والقصة واحدة؟ قلت: لا تعارض في شيء من ذلك، أما لفظ: (لعلك آذاك) فساكت عن قيد، وأما بقية الألفاظ فوجهها أنه مر به وهو محرم في أول الأمر وسأله عن ذلك، ثم حمل إليه ثانيا بإرساله إليه، وأما إتيانه فبعد الإرسال، وأما رؤيته إياه فلا بد منها في الكل. وقال القرطبي في قوله: (لعلك آذاك هوامك) هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم، فلما أخبره بالمشقة التي نالته أمره بالحلق، والهوام، بتشديد الميم، جمع هامة، وهي ما تدب من الأحناش، والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف. وقال الكرماني: ولا يقع هذا الاسم إلا على المخوف من الأحناش، والمراد بها القمل؛ لأنه يهم على الرأس أي يدب.

                                                                                                                                                                                  قلت: إنما قال: والمراد بها القمل؛ لأنه هو المذكور في كثير من الروايات. قوله (احلق رأسك) أمره بالحلق، وهو إزالة شعر الرأس أعم من أن يكون بالموسى وبالمقص أو بالنورة أو غير ذلك. قوله: (أو أطعم ستة مساكين) ليس فيه بيان قدر الإطعام، وسيأتي البيان فيه عن قريب. قوله: (أو انسك بشاة) هكذا وقعت رواية الأكثرين بشاة، بالباء، وفي رواية الكشميهني: " أو انسك شاة" بغير باء، وعلى الأول تقديره: تقرب بشاة؛ فلذلك عداه بالباء، وعلى الثاني تقديره: اذبح.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه من الأحكام) منها: جواز الحلق للمحرم للحاجة مع الكفارة المذكورة في الآية الكريمة، وفي الحديث المذكور، وهذا مجمع عليه.

                                                                                                                                                                                  ومنها أنه ليس فيه تعرض لغير حلق الرأس من سائر شعور الجسد، وقد أوجب العلماء الفدية بحلق سائر شعور البدن؛ لأنها في معنى حلق الرأس إلا داود الظاهري فإنه قال: لا تجب الفدية إلا بحلق الرأس فقط، وحكى الرافعي عن المحاملي أن في رواية عن مالك: لا تتعلق الفدية بشعر البدن.

                                                                                                                                                                                  ومنها: أنه أمر بحلق شعر نفسه، فلو حلق المحرم شعر حلال فلا فدية على واحد منهما عند مالك، والشافعي، وأحمد، وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: ليس للمحرم أن يحلق شعر الحلال، فإن فعل فعليه صدقة.

                                                                                                                                                                                  ومنها أنه إذا حلق رأسه أو لبس أو تطيب عامدا من غير ضرورة فقد حكى ابن عبد البر في الاستذكار عن أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما، وأبو ثور: أن عليه دما لا غير، وأنه لا يخير إلا في الضرورة. وقال مالك: بئس ما فعل، وعليه الفدية، وهو مخير فيها. وقال شيخنا زين الدين وما حكاه عن الشافعي وأصحابه ليس بجيد، بل المعروف عنهم وجوب الفدية كما جزم به الرافعي، كما أوجبوا الكفارة في اليمين الغموس، بل أولى بالوجوب.

                                                                                                                                                                                  ومنها: أنه أطلق الحلق لكعب بن عجرة ولكن لضرورته، ولغير الضرورة لا يجوز للمحرم حتى إذا حلق من غير ضرورة يلزمه الفدية، سواء كان عامدا أو ناسيا أو عالما أو جاهلا، وذهب إسحاق وداود إلى أنه لا شيء على الناسي.

                                                                                                                                                                                  ومنها: أنه قدم الحلق على الصوم والإطعام، وفي الآية قدم الصوم، فهل يفهم منه وجوب الترتيب؟ أو المراد الأفضلية فيما قدم في الآية والحديث؟ والجواب أن الحديث اختلفت ألفاظه في التقديم والتأخير، ففي حديث الباب قدم الحلق، وفي الحديث الآخر قدم الصوم؛ حيث قال: " صم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق بين ستة مساكين، أو انسك ما تيسر"، وهذا موافق للآية، وفي رواية لمسلم: " قال أيوب: فلا أدري بأي ذلك بدأ"، وفي رواية له: " اذبح شاة نسكا أو صم ثلاثة أيام أو أطعم..." الحديث، وعلى هذا فلا فضل في تقديم أحد الأنواع على بعضها من هذا الحديث، لكن قد يستدل بتقديم الشاة في الكفارة المرتبة على أفضلية تقديم الذبح في غير المرتبة.

                                                                                                                                                                                  ومنها: أنه خيره بين الصوم والإطعام والذبح، وقال أبو عمر: عامة الآثار عن كعب وردت بلفظ التخيير، وهو نص القرآن العظيم، وعليه مضى عمل العلماء في كل الأمصار، ويؤيده ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي سعيد الأشج حدثنا حفص [ ص: 153 ] المحاربي عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله عز وجل: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال: إذا كان أو، أو بأية أخذت أجزأك. قال: وروي عن مجاهد وعكرمة، وعطاء، وطاوس، والجنيد، وحميد الأعرج، والنخعي، والضحاك نحو ذاك، وذهب أبو حنيفة، والشافعي، وأبو ثور إلى أن التخيير لا يكون إلا في الضرورة، فإن فعل ذلك من غير ضرورة فعليه دم، وفي صحيح مسلم رواية عبد الكريم صريحة في التخيير حيث قال: أي ذلك فعلت أجزأك! كذا رواية أبي داود التي فيها إن شئت، وإن شئت، ووافقها رواية عبد الوارث عن أبي نجيح، أخرجها مسدد في مسنده، ومن طريقه الطبراني، لكن رواية عبد الله بن مغفل التي تأتي عن قريب تقتضي أن التخيير إنما هو بين الإطعام والصيام لمن لم يجد النسك، ولفظه: " قال أتجد شاة؟ قال: لا، قال: فصم أو أطعم"، ولأبي داود في رواية أخرى: " أمعك دم؟ قال: لا، قال: فإن شئت فصم"، ونحوه للطبراني من طريق عطاء عن كعب.

                                                                                                                                                                                  ووافقهم أبو الزبير عن مجاهد عند الطبراني، وزاد بعد قول: " ما أجد هديا، قال: فأطعم، قال: ما أجد، قال: صم"، ولهذا قال أبو عوانة في صحيحه: فيه دليل على أن من وجد نسكا لا يصوم، يعني ولا يطعم، لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء إلا ما رواه الطبراني وغيره عن سعيد بن جبير قال: " النسك شاة، فإن لم يجد قومت الشاة دراهم، والدراهم طعاما، فتصدق به أو صام لكل نصف صاع يوما"، أخرجه من طريق الأعمش عنه، قال: فذكرته لإبراهيم فقال: سمعت علقمة مثله، فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين، وقد جمع بينهما بأوجه: منها: ما قال أبو عمر: إن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لإيجابه.

                                                                                                                                                                                  ومنها: ما قال النووي: ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزئ إلا لفاقد الهدي، بل المراد به أنه استخبره هل معه هدي أو لا؟ فإن كان واجده أعلمه أنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام، وإن لم يجده أعلمه أنه مخير بينهما. ومنها: ما قاله بعضهم: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن له في حلق رأسه بسبب أذى أفتاه بأن يكفر بالذبح على سبيل الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بوحي غير متلو، فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والإطعام والصيام، فخيره حينئذ بين الصيام والإطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه، ويوضح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله بن مغفل حيث قال: " أتجد شاة؟ قال: لا، فنزلت هذه الآية: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فقال: صم ثلاثة أيام أو أطعم"، وفي رواية عطاء الخراساني قال: " صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، قال: وكان قد علم أنه ليس عندي ما أنسك به"، ونحوه في رواية محمد بن كعب القرظي عن كعب.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: سياق الآية يشعر بأن يقدم الصيام على غيره، قلت: ليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره بل السر فيه أن الصحابة الذين خوطبوا شفاها بذلك كان أكثرهم يقدر على الصيام أكثر مما يقدر على الذبح والإطعام.

                                                                                                                                                                                  ومنها: أن الصوم ثلاثة أيام، وقال ابن جرير: حدثنا ابن أبي عمران، حدثنا عبد الله بن معاذ عن أبيه، عن أشعث، عن الحسن في قوله ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال: إذا كان بالمحرم أذى من رأسه حلق وافتدى بأي هذه الثلاثة شاء، والصيام عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين لكل مسكين مكوكان؛ مكوك من تمر، ومكوك من بر، والنسك شاة، وقال قتادة عن الحسن وعكرمة في قوله: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال: إطعام عشرة مساكين. وقال ابن كثير في تفسيره: وهذان القولان من سعيد بن جبير، وعلقمة، والحسن، وعكرمة قولان غريبان فيهما نظر؛ لأنه قد ثبتت السنة في حديث كعب بن عجرة: " فصيام ثلاثة أيام لا عشرة"، وقال أبو عمر في الاستذكار: روي عن الحسن، وعكرمة، ونافع صوم عشرة أيام، قال: ولم يتابعهم أحد من العلماء على ذلك.

                                                                                                                                                                                  ومنها: أن الإطعام لستة مساكين، ولا يجزئ أقل من ستة، وهو قول الجمهور، وحكي عن أبي حنيفة أنه يجوز أن يدفع إلى مسكين واحد، والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من أي شيء كان المخرج في الكفارة؛ قمحا، أو شعيرا، أو تمرا، وهو قول مالك والشافعي وإسحاق، وأبي ثور، وداود. وحكي عن الثوري وأبي حنيفة تخصيص ذلك بالقمح، وأن الواجب من الشعير والتمر صاع لكل مسكين. وحكى ابن عبد البر عن أبي حنيفة وأصحابه كقول مالك والشافعي، وعند أحمد في رواية أن الواجب في الإطعام لكل مسكين مد من قمح أو مدان من تمر أو شعير.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 154 ] ومنها: ما احتج بعموم الحديث مالك على أن الفدية يفعلها حيث شاء، سواء في ذلك الصيام والإطعام والكفارة؛ لأنه لم يعين له موضعا للذبح أو الإطعام، ولا يجوز تأخر البيان عن وقت البيان، وقد اتفق العلماء في الصوم أن له أن يفعله حيث شاء لا يختص ذلك بمكة، ولا بالحرم، وأما النسك والإطعام فجوزهما مالك أيضا كالصوم، وخصص الشافعي ذلك بمكة أو بالحرم، واختلف فيه قول أبي حنيفة، فقال مرة: يختص بذلك الدم دون الإطعام، وقال مرة: يختصان جميعا بذلك. وقال هشيم: أخبرنا ليث عن طاوس أنه كان يقول: ما كان من دم أو إطعام فبمكة، وما كان من صيام فحيث شاء، وكذا قال عطاء ومجاهد والحسن.

                                                                                                                                                                                  ومنها: ما قال شيخنا زين الدين يستثنى من عموم التخيير في كفارة الأذى حكم العبد إذا احتاج إلى الحلق، فإن فرضه الصوم على الجديد سواء أحرم بغير إذن سيده أو بإذنه، فإن الكفارة لا تجب على السيد كما جزم به الرافعي، ولو ملكه السيد لم يملكه على الجديد، وعلى القديم يملكه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية