الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1608 276 - حدثنا أحمد بن محمد، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان قالا: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم- من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي - صلى الله عليه وسلم- الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه - صلى الله عليه وسلم- أحرم بعد تقليد هديه وإشعاره والترجمة في الإشعار والتقليد ثم الإحرام.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم سبعة؛ الأول: أحمد بن محمد بن موسى أبو العباس، يقال له: مردويه السمسار المروزي. الثاني: عبد الله بن المبارك. الثالث: معمر، بفتح الميمين، ابن راشد. الرابع: محمد بن مسلم الزهري. الخامس: عروة بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم. السادس: المسور، بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وفي آخره راء، ابن مخرمة، بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء، ابن نوفل بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب ابن أخت عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، يكنى أبا عبد الرحمن، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- وعمر بن الخطاب وعمرو بن عوف عندهما، والمغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلم، قال ابن بكير: مات بمكة يوم جاء نعي يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير سنة أربع وستين، وصلى عليه ابن الزبير وأصابه حجر المنجنيق، وهو يصلي في الحجر فمات في شهر ربيع الأول، وولد بعد الهجرة بسنتين، وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ثمان سنين، وكان أصغر من ابن الزبير بأربعة أشهر. السابع: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الملك القرشي الأموي، يقال: إنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- قاله الواقدي ولم يحفظ عنه شيئا، وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ثمان سنين، قال خليفة: مات مروان بدمشق لثلاث خلت من شهر رمضان سنة خمس وستين، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإخبار كذلك في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه القول في موضع واحد، وفيه أن شيخه وشيخ شيخه مروزيان، ومعمرا بصري سكن اليمن والبقية مدنيون غير أن مسورا أقام بمكة إلى أن مات بها كما ذكرنا، وفيه أن هذا الحديث من مراسيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، قاله صاحب التلويح وقال: لأن سنه كان في الحديبية أربع سنين، وأما مروان فلم تصح له صحبة، وفيه أن مروان من أفراده، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وعن التابعي أيضا.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) قال صاحب التلويح: أخرجه البخاري في عشرة مواضع مختصرا من حديث طويل، وقال الحافظ المزي: أخرجه في كتاب الشروط عن عبد الله بن محمد، وفي الحج أيضا عن محمود، عن عبد الرزاق، وفي المغازي عن علي بن عبد الله مختصرا، وفيه عن عبد الله بن محمد أيضا، وأخرجه أبو داود في الحج، عن عبد الأعلى، عن سفيان، عن الزهري به، وأخرجه النسائي في السير، عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المبارك ببعضه.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: " خرج النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم- من المدينة" ويروى: " خرج النبي - صلى الله عليه وسلم- زمن الحديبية من المدينة" وقال الكرماني: قوله: " من المدينة" ، وفي بعضها بدله: " من الحديبية". قوله: " في بضع عشرة" البضع بكسر الباء الموحدة والفتح ما بين الثلاث إلى التسع، قوله: " قلد النبي - صلى الله عليه وسلم- الهدي" ، وفي رواية الدارقطني" أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ساق يوم الحديبية سبعين بدنة عن سبعمائة رجل"، وفي رواية: " كانوا في الحديبية خمس عشرة مائة"، وفي رواية: " أربع عشرة مائة".

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه): فيه تقليد الهدي وإشعاره قبل الإحرام، وفيه مشروعية التقليد ومشروعية الإشعار، وقال ابن [ ص: 38 ] بطال: من أراد أن يحرم بالحج والعمرة وساق معه هديا لا يقلده إلا من ميقات، وكذلك يستحب له أيضا أن لا يحرم إلا من ذلك الميقات على ما عمل به النبي - صلى الله عليه وسلم- هذا في الحديبية، وفي حجته أيضا، وكذلك من أراد أن يبعث بهدي إلى البيت ولم يرد الحج والعمرة وأقام في بلده، فإنه يجوز له أن يقلده وأن يشعر في بلده، ثم يبعث به كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- إذ بعث بهديه مع أبي بكر - رضي الله تعالى عنه- سنة تسع، ولم يوجب ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم- إحراما ولا تجردا من ثياب ولا غير ذلك، وعلى هذا جماعة أئمة الفتوى مالك وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وردوا قول ابن عباس، فإنه كان يرى أن من بعث بهدي إلى الكعبة لزمه إذا قلده الإحرام، ويجتنب كل ما يجتنب الحاج حتى ينحر هديه، وتابع ابن عباس على ذلك ابن عمر - رضي الله تعالى عنه- على خلاف عنه وسعيد بن جبير ومجاهد، قال أبو عمر: وقيس بن سعد بن عبادة وسعيد بن المسيب، على اختلاف عنه، وميمون بن شبيب، ويروى مثل ذلك في أثر مرفوع عن جابر - رضي الله تعالى عنه- عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم- رواه أسد بن موسى، عن حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة، عن عبد الملك بن جابر عنه، وابن أبي لبيبة شيخ ليس ممن يحتج به فيما ينفرد به، فكيف فيما خالفه فيه من هو أثبت منه، ولكنه قد عمل بحديثه بعض الصحابة، وقال أبو عمر: ولا يختلف العلماء أن هدي كل من كان ميقاته ذا الحليفة أنه ليس له أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة، وإنما يؤخر إحرامه إلى الجحفة المغربي والشامي، وفي التلويح: وتابع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا الشعبي والنخعي وأبو الشعثاء ومجاهد، والحسن بن أبي الحسن ذكره في المصنف، وحكاه أيضا عن عمر وعلي وابن سيرين رضي الله تعالى عنهم، وبه قال عطاء وقال مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن ربيعة بن الهدير رأى رجلا متجردا بالعراق، فسأل عنه فقالوا: أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد، فذكر ذلك لابن الزبير فقال: بدعة ورب الكعبة.

                                                                                                                                                                                  وقال الطحاوي: لا يجوز عندنا أن يكون حلف ابن الزبير على ذلك إلا أنه قد علم أن السنة على خلافه، والله أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية