الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1614 282 - حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: أهدى النبي - صلى الله عليه وسلم- مرة غنما.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن من لوازم الهدي التقليد شرعا، وأبو نعيم الفضل بن دكين، والأعمش سليمان وإبراهيم النخعي والأسود بن يزيد.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم في الحج أيضا، عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب، وأخرجه أبو داود فيه عن هناد، عن وكيع، وأخرجه النسائي فيه عن هناد وعن ابن بشار وعن إسماعيل بن مسعود، وأخرجه ابن ماجه فيه عن ابن أبي شيبة وعن علي بن محمد، واحتج الشافعي بهذا الحديث على أن الغنم تقلد، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وابن حبيب، وقال مالك وأبو حنيفة: لا تقلد؛ لأنها تضعف عن التقليد، وقال أبو عمر: احتج من لم يره بأن الشارع إنما حج حجة واحدة لم يهد فيها غنما، وأنكروا حديث الأسود الذي في البخاري في تقليد الغنم قالوا: هو حديث لا يعرفه أهل بيت عائشة، وقال بعضهم: ما أدري ما وجه الحجة منه؛ لأن حديث الباب دل على أنه أرسلها وأقام، فكان ذلك قبل حجته قطعا، فلا تعارض بين الفعل والترك؛ لأن مجرد الترك لا يدل على نسخ الجواز، ثم من الذي صرح من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنه لم يكن في هداياه في حجته غنم حتى يسوغ الاحتجاج بذلك. انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): الهدي الذي أرسل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من الغنم [ ص: 42 ] ليس هدي الإحرام؛ ولهذا أقام حلالا بعد إرساله ولم ينقل أنه أهدى غنما في إحرامه وقوله، فلا تعارض بين الفعل والترك، كلام واه؛ لأن من ادعى التعارض بينهما والتعارض تقابل الحجتين، وهاهنا الفعل لم يوجد، فكيف يتصور التعارض حتى يحتاج إلى دفعه وقوله، ثم من الذي صرح من الصحابة.. إلى آخره، يرد بأن يقال: من الذي صرح منهم بأنه كان في هداياه في حجته غنم، وقال هذا القائل أيضا: والحنفية في الأصل يقولون: ليست الغنم من الهدي، فالحديث حجة عليهم.

                                                                                                                                                                                  (قلت): هذا افتراء على الحنفية ففي أي موضع قالت الحنفية: إن الغنم ليست من الهدي بل كتبهم مشحونة بأن الهدي اسم لما يهدى من الغنم إلى الحرم ليتقرب به، قالوا: وأدناه شاة لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما استيسر من الهدي شاة، وعن هذا قالوا: الهدي: إبل وبقر وغنم، ذكورها وإناثها، حتى قالوا هذا بالإجماع، وإنما مذهبهم أن التقليد في البدنة والغنم ليست من البدنة، فلا تقلد لعدم التعارف بتقليدها؛ إذ لو كان تقليدها سنة لما تركوها، وقالوا في الحديث المذكور: تفرد به الأسود ولم يذكره غيره على ما ذكرنا، وادعى صاحب المبسوط أنه أثر شاذ.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): كيف يقال تركوها، وقد ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لقد رأيت الغنم يؤتى بها مقلدة، وعن أبي جعفر: رأيت الكباش مقلدة، وعن عبد الله بن عبيد بن عمير أن الشاة كانت تقلد، وعن عطاء رأيت أناسا من الصحابة رضي الله عنهم يسوقون الغنم مقلدة؟ (قلت): ليس في ذلك كله أن التقليد كان في الغنم التي سيقت في الإحرام وأن أصحابها كانوا محرمين، على أنا نقول: إنهم ما منعوا الجواز، وإنما قالوا بأن التقليد في الغنم ليس بسنة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية