الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثانية: يعرف كون الراوي ضابطا بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة - ولو من حيث المعنى - لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتا، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم، عرفنا اختلال ضبطه، ولم نحتج بحديثه. والله أعلم.

الثالثة: التعديل مقبول من غير ذكر سببه على المذهب الصحيح المشهور؛ لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها، فإن ذلك يحوج المعدل إلى أن يقول: "لم يفعل كذا، لم يرتكب كذا، فعل كذا وكذا" فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه، وذلك شاق جدا.

وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرا مبين السبب؛ لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح، فيطلق أحدهم الجرح بناء على أمر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الأمر، فلا بد من بيان سببه؛ لينظر فيه أهو جرح أم لا، وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله.

وذكر الخطيب الحافظ أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده، مثل البخاري، ومسلم، وغيرهما؛ ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم، كعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، وكإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق، وغيرهم.

واحتج مسلم بسويد بن سعيد، وجماعة اشتهر الطعن فيهم، وهكذا فعل أبو داود السجستاني، وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه، ومذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة.

وعقد الخطيب بابا في بعض أخبار من استفسر في جرحه، فذكر ما لا يصلح جارحا:

منها عن شعبة أنه قيل له: " لم تركت حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون، فتركت حديثه".

ومنها: عن مسلم بن إبراهيم أنه سئل عن حديث لصالح المري، فقال: "ما تصنع بصالح؟! ذكروه يوما عند حماد بن سلمة فامتخط حماد" والله أعلم.

[ ص: 557 ] [ ص: 558 ]

التالي السابق


[ ص: 557 ] [ ص: 558 ] قوله: (وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرا مبين السبب...) إلى آخر كلامه، ثم قال: (وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله) انتهى.

وقد حكى القاضي أبو بكر، عن الجمهور قبول جرح أهل العلم بهذا الشأن من غير بيان، واختاره إمام الحرمين، وأبو بكر الخطيب، والغزالي، وابن الخطيب، كما سيأتي في الجملة التي تلي هذه. والله أعلم.




الخدمات العلمية