الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو ملأ فاه خمرا ، ثم مجه ، ولم يدخل جوفه منها شيء ، فلا حد عليه ; لأنه ذاق الخمر ، وما شرب .

( ألا ترى ) أنه لا يحنث في اليمين المعقودة على الشرب بهذه ، وأن الصائم لو فعله مع ذكره للصوم لا يفسد صومه ، وكذلك الطبع لا يميل إلى هذا الفعل ، فلا يشرع فيه الزجر بخلاف شرب القليل ، فإنه من جنس الشرب ، والطبع مائل إلى شرب الخمر قلت ، والتمر المطبوخ يمرس فيه العنب ، فيغليان جميعا ، والعنب غير مطبوخ قال : أكره ذلك ، وأنهى عنه ، ولا أحد من شرب منه إلا أن يسكر ، والكلام في فصلين أحدهما في طبخ العنب قبل أن يعصر ، فإن الحسن روى عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه بمنزلة الزبيب ، والتمر يكفي أدنى الطبخ فيه ، ولكن الحسن بن أبي مالك رحمه الله أنكر هذه الرواية ، وقال سمعت أبا يوسف عن أبي حنيفة يقول : إنه لا يحل ما لم يذهب ثلثا ما فيه بالطبخ ، وهو الأصح ; لأن الذي في العنب هو العصير ، والعصر مميز له عن التفل والقشر ، وكما لا يحل العصير بالطبخ ما لم يذهب منه ثلثاه ، فكذلك العنب .

فإن جمع في الطبخ بين العنب ، والتمر ، أو بين الزبيب ، والتمر لا يحل ما لم يذهب بالطبخ ثلثاه بخلاف ما لو خلط عصير العنب بنقيع التمر ، والزبيب ، وهذا ; لأن العصر لا يحل بالطبخ ما لم يذهب ثلثاه إذا كان وحده ، فكذلك إذا كان مع غيره ; لأنه اجتمع فيه الموجب للحل ، والحرمة ، وفي مثله يغلب الموجب للحرمة احتياطا ، وذكر المعلى في نوادره أن نقيع التمر ، والزبيب إذا طبخ أدنى طبخه ثم نقع فيه تمر ، أو زبيب ، فإن كان ما نقع فيه شيئا يسيرا لا يتخذ النبيذ من مثله ، فهو معتبر ، ولا بأس بشربه ، وإن كان يتخذ النبيذ من مثله لم يحل شربه ما لم يطبخ قبل أن يشتد ; لأنه في معنى نقيع مطبوخ ، ولو صب في المطبوخ قدح من نقيع لم يحل شربه إذا اشتد ، ويغلب الموجب للحرمة [ ص: 20 ] على الموجب للحل ، فهذا مثله .

ولا يحد في شرب شيء من ذلك ما لم يسكر إما لاختلاف العلماء رحمهم الله في إباحة شربه ، أو ; لأن ثبوت الحرمة للاحتياط ، وفي الحدود يحتال للدرء ، وللإسقاط ، فلا يجب به الحد ما لم يسكر ، وإن خلط الخمر بالنبيذ ، وشربه رجل ، ولم يسكر ، فإن كانت الخمر هي الغالبة حددته ، وإن كان النبيذ هو الغالب لم نحده ; لما بينا أن المغلوب يصير مستهلكا بالغالب ، ويكون الحكم للغالب ، وهذا في الجنسين مجمع عليه ، والنبيذ ، والخمر جنسان مختلفان ، فإن أحكامهما مختلفة ، فإن طبخ الزبيب وحده ، أو التمر ، ثم مرس العنب فيه ، فلا بأس به ما دام حلوا ، فإذا اشتد ، فلا خير فيه ، وكذلك إن مرس العنب في نبيذ العسل ، فهو بمنزلة عصير خلط بنبيذ ، واشتد ، فإن طبخا جميعا حتى ذهب ثلثا العصير ، ثم اشتد ، فلا بأس به ; لأن ما هو الشرط في العصير ، وهو ذهاب الثلثين بالطبخ قد وجد ، والعنب الأبيض ، والأسود يعصران لا بأس بعصيرهما ما دام حلوا ، فإذا اشتد فهو خمر ، وإنما ، أورد هذا ; لأنه وقع عند بعض العوام أن الخمر من العنب الأسود دون الأبيض هذا ، وإن كان لا يشكل على الفقهاء ، فلرد ما ، وقع عند العوام كما ذكر في الاصطياد بالكلب الكردي في كتاب الصيد ، وقد بيناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية