الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون [147]

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : قد ذكرت حديث ابن عباس أنه قال: كانت الرسالة بعدما نبذه الحوت وليس له طريق إلا عن شهر بن حوشب، وأجود منه إسنادا وأصح ما حدثناه علي بن الحسين قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عمرو العنقري قال: حدثنا إسرائيل عن ابن إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: حدثنا عبد الله في بيت المال عن يونس النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن يونس صلى الله عليه وسلم وعد قومه [ ص: 441 ] العذاب، وأخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام ففرقوا بين كل والدة وولدها، وخرجوا وجاروا إلى الله جل وعز، واستغفروا فكف الله جل وعز عنهم العذاب، وهذا يونس صلى الله عليه وسلم ينتظر العذاب فلم ير شيئا. وكان من كذب ولم تكن له بينة قتل، فخرج يونس صلى الله عليه وسلم مغاضبا فأتى قوما في سفينة فحملوه وعرفوه فلما دخل السفينة ركدت السفينة والسفن تسير يمينا وشمالا فقالوا: ما لسفينتكم؟ قالوا: لا ندري: فقال يونس صلى الله عليه: إن فيها عبدا آبقا من ربه جل وعز، وإنها لن تسير حتى تلقوه. قالوا: أما أنت يا نبي الله فإنا لا نلقيك، قال: فاقترعوا فمن قرع فليقع فاقترعوا فقرعهم يونس صلى الله عليه فأبوا أن يدعوه قالوا: فاقترعوا ثلاثا فمن قرع فليقع فاقترعوا فقرعهم يونس صلى الله عليه ثلاث مرات أو قال ثلاثا فوقع: وقد وكل الله جل وعز به حوتا فابتلعه فمر يهوي به إلى قرار الأرض فسمع يونس صلى الله عليه تسبيح الحصى فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال: [ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت] قال: "فنبذناه بالعراء وهو سقيم" قال: كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش قال: وأنبت الله جل وعز عليه شجرة من يقطين فنبتت فكان يستظل بها فيبست فبكى عليها، فأوحى الله جل وعز إليه أتبكي على شجرة يبست ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم؟ قال: وخرج يونس صلى الله عليه وسلم فإذا هو بغلام يرعى فقال: يا غلام من أنت؟ قال: من قوم يونس قال: فإذا جئت إليهم فأخبرهم [ ص: 442 ] أنك قد لقيت يونس . قال له: إن كنت يونس فقد علمت أنه من كذب قتل إذا لم يكن له بينة فمن يشهد لي، قال: هذه الشجرة وهذه البقعة. قال: فمرهما فقال لهما يونس صلى الله عليه: إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له قالتا: نعم فرجع الغلام إلى قومه، وكان في منعة، وكان له إخوة فأتى الملك فقال: إني قد لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام. قال: فأمر به أن يقتل فقالوا: إن له بينة فأرسلوا معه فأتى الشجرة والبقعة فقال لهما: نشدتكما بالله جل وعز أشهدكما يونس صلى الله عليه وسلم؟ قالتا: نعم قال: فرجع القوم مذعورين يقولون: شهدت له الشجرة والأرض فأتوا الملك فأخبروه بما رأوا، قال عبد الله : فتناول الملك بيد الغلام فأجلسه في مجلسه، فقال: أنت أحق بهذا المكان مني. قال عبد الله : فأقام لهم ذلك الغلام أمرهم أربعين سنة. فقد تبين في هذا الحديث أن يونس صلى الله عليه كان قد أرسل قبل أن يلتقمه الحوت بهذا الإسناد الذي لا يؤخذ بالقياس، وفيه أيضا من الفائدة أن قوم يونس صلى الله عليه آمنوا وندموا قبل أن يروا العذاب لأن فيه أنه أخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام ففرقوا بين كل والدة وولدها، والفاء في اللغة تدل على أن الثاني يلي الأول فكان حكم الله جل وعز فيهم كحكمه في غيرهم في قوله جل وعز: فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا وقال جل ثناؤه: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت الآية وقد قال بعض العلماء: إنهم رأوا مخايل العذاب فتابوا. قال أبو جعفر : وهذا لا يمتنع فأما قوله عز وجل: إلا قوم يونس } فهو استثناء ليس من الأول، وقد ذكرنا معنى "أو [ ص: 443 ] يزيدون" وقول الفراء إنها بمعنى بل وقول غيره إنها بمعنى الواو وأنه لا يصح هذان القولان لأن بل ليس هذا من مواضعها؛ لأنها للإضراب عن الأول والإيجاب لما بعده وتعالى الله عز وجل عن ذلك أو الخروج من شيء إلى شيء، وليس هذا موضع ذلك، والواو معناها خلاف معنى أو، فلو كانت إحداهما بمعنى الأخرى لبطلت المعاني، ولو جاز ذلك لكان وأرسلناه إلى أكثر من مائة ألف أخصر، وفي الآية قولان سوى هذين: أحدهما أن المعنى وأرسلناه إلى جماعة لو رأيتموهم لقلتم هم مائة ألف أو أكثر، وإنما خوطب العباد على ما تعرفون، والقول الآخر أنه كما تقول: جاءني زيد أو عمرو، وأنت تعرف من جاءك منهما إلا أنك أبهمت على المخاطب، وفي قراءة ابن مسعود فآمنوا فمتعناهم إلى حين [148]

                                                                                                                                                                                                                                        والمعنى واحد.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية