الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      الباء في قوله تعالى: بإذن ربهم متعلقة بقوله: لتخرج الناس ، وأضيف الفعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المنذر والهادي بأمر الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم : لا حجة للعجم في هذه الآية؛ لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة يفهمها؛ لزمته الحجة، وقد قال الله تعالى: وما أرسلناك إلا كافة للناس [سبأ: 28].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وذكرهم بأيام الله : قال أبي بن كعب، ومجاهد، وغيرهما: المعنى: بنعم الله.

                                                                                                                                                                                                                                      مالك بن أنس: أي: ببلاء الله.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: نعم الله عندهم وأياديه.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: يعني: الأيام التي انتقم فيها من الأمم الخالية.

                                                                                                                                                                                                                                      لكل صبار شكور يعني: من صبر على طاعة الله عز وجل، وشكر نعمه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم : {تأذن} و (أذن) بمعنى، ومعناه: أعلم، ومثله: (أوعدته) و (توعدته)، روي معنى ذلك [ ص: 598 ] عن الحسن، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن مسعود: معنى {تأذن}: قال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله : قال ابن عباس: بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: فردوا أيديهم في أفواههم : قال ابن عباس: وضعوا أيديهم على أفواههم حين سمعوا كتاب الله؛ تعجبا منه.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد، وقتادة: ردوا على الرسل قولهم، وكذبوهم بأفواههم.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن مسعود: عضوا عليها غيظا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو تمثيل للسكوت؛ المعنى: أنهم كانوا يسكتون إذا دعوا إلى الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: جعلوا أيديهم في أفواه الرسل؛ تكذيبا لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: أومؤوا إلى الرسل أن اسكتوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (الأيدي): النعم، والهاء والميم في {أيديهم} للرسل؛ والمعنى: ردوا نعم الرسل بأفواههم؛ أي: بالنطق بالتكذيب، قاله مجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أخذوا أيدي الرسل فجعلوها في أفواه الرسل، فالضميران للرسل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 599 ] وقيل: المعنى: ردوا قول الرسل من حيث جاء، فـ (الأيدي) على هذا: ما نطق به الرسل من البينات، و (اليد) في اللغة: تقع على النعمة، وعلى السلطان، وعلى الملك، وعلى العهد والعقد.

                                                                                                                                                                                                                                      والقول في: ليغفر لكم من ذنوبكم كالقول في: ويكفر عنكم من سيئاتكم [البقرة: 271].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ولكن الله يمن على من يشاء من عباده أي: يمن بالنبوة.

                                                                                                                                                                                                                                      وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله : لفظه لفظ الحظر، ومعناه: النفي؛ لأنه لا يحظر على أحد ما لا يقدر عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا أي: وأي شيء لنا في ألا نتوكل على الله وقد هدانا إلى الطرق التي توصلنا إلى رحمته؟! وقوله تعالى: ذلك لمن خاف مقامي أي: مقامه بين يدي، فأضيف المصدر إلى الفاعل.

                                                                                                                                                                                                                                      {واستفتحوا} أي: واستنصروا، وقد تقدم القول في مثله، والضمير فيه للرسل، قاله ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: استفتحت الأمم بالدعاء؛ كما قالت قريش: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم [الأنفال: 32].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 600 ] وخاب كل جبار عنيد : (الجبار): المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقا، و (العنيد): المعاند المجانب للحق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن المراد ههنا: أبو جهل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من ورائه جهنم أي: من وراء ذلك الكافر جهنم؛ يريد: أمامه، واشتقاقه مما توارى واستتر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويسقى من ماء صديد : قيل: هو ما يسيل من أجسام أهل النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو تمثيل؛ والمعنى: أنه يسقى ماء مثل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      يتجرعه ولا يكاد يسيغه : قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يقرب إليه، فيكرهه، فإذا أدني منه؛ شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه؛ قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره "، ثم تلا: وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم [محمد: 15].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويأتيه الموت من كل مكان : قيل: معناه: من كل مكان يمات منه؛ من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، وما هو بميت، قاله ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: يأتيه الموت من تحت كل شعرة في جسده، قاله إبراهيم النخعي.

                                                                                                                                                                                                                                      الفضيل بن عياض: هو حبس الأنفاس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: تعلق نفسه في حنجرته؛ فلا تخرج، ولا ترجع.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 601 ] محمد بن كعب: إذا دعا الكافر في جهنم بالشراب، فرآه؛ مات موتات، فإذا دنا منه مات موتات، فإذا شرب منه مات موتات، فذلك قوله: ويأتيه الموت من كل مكان .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف : هذا مثل ضربه الله تعالى لأعمال الكفار؛ يريد: أنها تمحق كما تمحق الريح الرماد.

                                                                                                                                                                                                                                      في يوم عاصف أي: ذي عصف، وقيل: في يوم عاصف الريح، و (العصف): شدة الريح.

                                                                                                                                                                                                                                      لا يقدرون مما كسبوا على شيء أي: لا يقدرون مما عملوا على شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا أي: قال الأتباع للمتبوعين: إنا كنا لكم تبعا : يجوز أن يكون قوله: {تبعا} مصدرا؛ والتقدير: ذوي تبع، ويجوز أن يكون جمع (تابع).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول أهل النار إذا اشتد بهم العذاب: تعالوا نصبر، فيصبرون خمس مئة عام، فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم؛ قالوا: [هلم فلنجزع، فيجزعون، ويضجون خمس مئة عام، فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم؛ قالوا]: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 602 ] وقوله: وقال الشيطان لما قضي الأمر أي: لما صار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار: إن الله وعدكم وعد الحق أي: وعد من أطاعه الجنة، ومن عصاه النار.

                                                                                                                                                                                                                                      ووعدتكم فأخلفتكم يعني: ما كان يزينه لهم في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وما كان لي عليكم من سلطان أي: من حجة إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ؛ أي: أغويتكم فتابعتموني.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي أي: ما أنا بمغيثكم، وما أنتم بمغيثي].

                                                                                                                                                                                                                                      إني كفرت بما أشركتمون من قبل أي: إني عصيت الله قبلكم، عن قتادة.

                                                                                                                                                                                                                                      الثوري: المعنى: كفرت بطاعتكم إياي في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية