الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر المفسرون: أن نوحا عليه السلام إنما سمي نوحا؛ لأنه كان ينوح على نفسه، وفي وقت بعثه وأمد عمره اختلاف قد ذكرته في "الكبير".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 59 ] وقوله: قال الملأ من قومه : {الملأ}: الأشراف والرؤساء المليئون بما يفوض إليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: سموا بذلك؛ لأنهم يملؤون الصدور بعظم شأنهم، وقيل: لأنهم يملؤون المحافل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله حكاية عنهم: قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين : يجوز أن يراد بـ (الرؤية): رؤية البصر، ويجوز أن يراد بها: الرأي الذي هو أغلب الظن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قال يا قوم ليس بي ضلالة : نفى صلى الله عليه وسلم ما نسب إليه، وهذا مما ينبغي أن يقتدى به من أخلاق الأنبياء عليهم السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم : الواو للعطف، دخلت عليها ألف الاستفهام، والمعنى: التقرير، والتوبيخ.

                                                                                                                                                                                                                                      على رجل منكم أي: على لسان رجل منكم.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء : {على} بمعنى: (مع)، وقيل: التقدير: جاءكم ذكر من ربكم منزل على رجل منكم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 60 ] فأنجيناه والذين معه في الفلك : {الفلك}: السفينة، تكون واحدا وجمعا، وأصله: الدور؛ فسمي بذلك لاستدارته على الماء كيف ما أدير.

                                                                                                                                                                                                                                      إنهم كانوا قوما عمين أي: عمين عن الهدى.

                                                                                                                                                                                                                                      وإلى عاد أخاهم هودا أي: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا.

                                                                                                                                                                                                                                      كان بين هود ونوح عليهما السلام فيما ذكر المفسرون- سبعة آباء، وكانت عاد فيما روي- ثلاث عشرة قبيلة، ينزلون الرمال، وكانت بلادهم أخصب البلاد، فسخط الله عليهم، فجعلها مفاوز، وكانت -فيما روي- بنواحي حضرموت إلى اليمن، وكانوا يعبدون الأصنام، ولحق هود حين أهلك قومه بمن آمن معه بمكة، فلم يزالوا بها حتى ماتوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وزادكم في الخلق بسطة : يروى: أن أقصرهم كان طوله ستين ذراعا، وأطولهم مئة ذراع، و (زيادة البصطة): قيل: على خلق آبائهم، وقيل: على خلق قوم نوح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل لهود: أخوهم؛ لأنه كان من عشيرتهم، وقيل: لأنه بشر من ولد أبيهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وإلى ثمود أخاهم صالحا : كانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 61 ] ناقة الله لكم آية : أخرج لهم الناقة حين سألوه آية من هضبة من الأرض، فكان لها يوم تشرب فيه ماء الوادي كله، ويحتلبونها، ولهم شرب يوم لا تشرب فيه الناقة معهم، وأضيفت (الناقة) إلى (الله) عز وجل على جهة إضافة الخلق إلى الخالق، وفيه معنى التشريف والتخصيص.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا : قيل: إنهم اتخذوا البيوت من الجبال؛ لطول أعمارهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فاذكروا آلاء الله أي: نعم الله، قيل: واحدها (إلى)، وقيل: (ألى)، وقيل: (إلي)، وقيل: (ألي).

                                                                                                                                                                                                                                      فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم : عقرها عاقرها الذي تولى عقرها، ومعه ثمانية، وهم الذين قال فيهم: وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون [النمل: 48].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فأخذتهم الرجفة : يروى: أنها صيحة من السماء، فيها صوت كل صاعقة، تقطعت منها قلوبهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فأصبحوا في دارهم جاثمين أي: باركين على ركبهم، موتى، وقيل: صاروا كالرماد الجاثم؛ لأن الصاعقة أحرقتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: في دارهم يعني: في بلدهم، وقيل: وحد على طريق الجنس؛ [ ص: 62 ] والمعنى: في دورهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة : يروى: أن لوطا كان ابن أخي إبراهيم عليهما السلام، بعثه الله تعالى إلى أهل سدوم، ويروى: أنهم كانوا ينكح بعضهم بعضا، وقال الحسن : لم يكونوا ينكحون إلا الغرباء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنهم أناس يتطهرون يعني: عن إتيان الرجال، فعابوهم بذلك، قاله ابن عباس ، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كانت من الغابرين : قال الحسن ، وقتادة : من الباقين في عذاب الله.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : من الغائبين عن النجاة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأمطرنا عليهم مطرا : سرى لوط بأهله كما وصف الله تعالى- بقطع من الليل، ثم أمر الله جبريل عليه السلام، فأدخل جناحه تحت مدائنهم، فاقتلعها، ورفعها، حتى سمع أهل السماء صياح الديكة، ونباح الكلاب، ثم جعل عاليها سافلها، وأمطرت عليهم حجارة من سجيل، وأدرك امرأة لوط -وكانت معه- حجر، فقتلها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 63 ] وكانت فيما روي- أربع قرى، وقيل: خمسا، فيها أربع مئة ألف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإلى مدين أخاهم شعيبا : قيل: إنه من ولد إبراهيم عليهما السلام، وقيل: من ولد بعض من آمن بإبراهيم عليه السلام، ويروى: أنه كان ابن بنت لوط.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أنه كان ضرير البصر؛ ولذلك قال له قومه: وإنا لنراك فينا ضعيفا [هود: 91].

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى: أن الله تعالى لما أراد إهلاك قومه؛ أرسل عليهم حرا شديدا أخذ بأنفاسهم، ثم أرسل سحابة؛ فوجدوا لها بردا، فلما صاروا تحتها؛ أرسل عليهم منها نارا، فاحترقوا، وكان مع ذلك صوت شديد، وهو الرجفة التي ذكرها الله عز وجل، وخرج شعيب إلى مكة، وبها توفي.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تقعدوا بكل صراط أي: على كل صراط.

                                                                                                                                                                                                                                      {توعدون} أي: توعدون من أراد الإيمان بالأذى، روي ذلك عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 64 ] قال أبو هريرة: إنما نهاهم عن قطع الطريق.

                                                                                                                                                                                                                                      واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم : قيل: يعني: أقلاء العدد، وقيل: المعنى: إذ كنتم فقراء، فأغناكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين : تهدد ووعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية