الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      891 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر يعني ابن مضر عن ابن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( وجهه ) بالرفع بيان لسبعة آراب ، والمراد بالوجه هاهنا الجبهة والأنف كما في رواية عند مسلم عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أمرت أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب الجبهة والأنف واليدين الحديث وفي رواية للبخاري أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة ، وأشار بيده على أنفه الحديث . قال الحافظ : كأنه ضمن أشار معنى أمر بتشديد الراء ، فلذلك عداه بعلى دون إلى ، ووقع في العمدة بلفظ إلى ، وهي في بعض النسخ من رواية كريمة ، وعند النسائي من طريق سفيان بن عيينة عن ابن طاوس فذكر هذا الحديث وقال في آخره قال ابن طاوس " ووضع يده على جبهته وأمرها على أنفه وقال هذا واحد " فهذه رواية مفسرة . انتهى .

                                                                      واعلم أنه ذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم إلى وجوب السجود على الجبهة والأنف جميعا وهو قول للشافعي ، وذهب الجمهور إلى أنه يجب السجود على الجبهة دون الأنف ، قال الإمام أبو حنيفة : إنه يجزئ السجود على الأنف وحدها . وقد نقل ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده . واستدلت الطائفة الأولى برواية مسلم المذكورة عن ابن عباس ولأنه جعلهما كعضو واحد ، ولو كان كل واحد منهما عضوا مستقلا للزم أن تكون الأعضاء ثمانية وتعقب بأنه يلزم منه أن يكتفي بالسجود على الأنف وحدها والجبهة وحدها ، لأن كل واحد منهما بعض العضو ، وهو يكفي كما في غيره من الأعضاء . وأنت خبير بأن المشي على الحقيقة هو المتحتم ، ولا شك أن الجبهة والأنف حقيقة في المجموع وبحديث أبي سعيد الخدري الذي يأتي في باب السجود على الأنف والجبهة . واحتج الجمهور برواية البخاري : " أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعرا ولا ثوبا الجبهة واليدين والركبتين والرجلين " وتمسك الإمام أبو حنيفة برواية البخاري المذكورة بلفظ : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ، على الجبهة ، وأشار بيده على أنفه الحديث ، لأنه ذكر الجبهة وأشار إلى الأنف [ ص: 122 ] فدل على أنه المراد . والأقرب إلى الصواب ما ذهب إليه الأولون ، والله تعالى أعلم ( وقدماه ) أي أطراف قدميه .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه . انتهى .

                                                                      واعلم أن حديث العباس هذا عزاه جماعة إلى مسلم ، منهم أصحاب الأطراف والحميدي في الجمع بين الصحيحين والبيهقي في سننه وابن الجوزي في جامع المسانيد وفي التحقيق ، ولم يذكره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين . ولم يذكر القاضي عياض لفظة الآراب في مشارق الأنوار الذي وضعه على ألفاظ البخاري ومسلم والموطأ ، وأنكره في شرح مسلم فقال : قال المازري قوله عليه الصلاة والسلام سجد معه سبعة آراب . قال الهروي : الآراب الأعضاء واحدها إرب . قال القاضي عياض وهذا اللفظ لم يقع عند شيوخنا في مسلم ولا هي في النسخ التي رأينا ، والتي في كتاب مسلم سبعة أعظم . انتهى . قال الزيلعي : والذي يظهر والله أعلم أن أحدهم سبق بالوهم فتبعه الباقون وهو محل اشتباه .




                                                                      الخدمات العلمية