الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر غلبة عبد الله بن معاوية على فارس وقتله

وفي هذه السنة غلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر على فارس وكورها ، وقد تقدم ذكر ظهوره بالكوفة وانهزامه وخروجه من الكوفة نحو المدائن .

فلما وصل إليها أتاه ناس من أهل الكوفة وغيرها ، فسار إلى الجبال وغلب عليها وعلى حلوان وقومس وأصبهان والري ، وخرج إليه عبيد أهل الكوفة وأقام بأصبهان .

وكان محارب بن موسى مولى بني يشكر عظيم القدر بفارس ، فجاء إلى دار الإمارة بإصطخر فطرد عامل ابن عمر عنها ، وبايع الناس لعبد الله بن معاوية ، وخرج محارب إلى كرمان فأغار عليها ، وانضم إلى محارب قواد من أهل الشام ، فسار إلى مسلم بن [ ص: 370 ] المسيب ، وهو عامل ابن عمر بشيراز ، فقتله في سنة ثمان وعشرين ، ثم خرج محارب إلى أصبهان إلى عبد الله بن معاوية فحوله إلى إصطخر ، فأقام بها ، وأتاه الناس بنو هاشم وغيرهم ، وجبا المال وبعث العمال ، وكان معه منصور بن جمهور وسليمان بن هشام بن عبد الملك ، وأتاه شيبان بن عبد العزيز الخارجي ، على ما تقدم ، وأتاه أبو جعفر المنصور ، وأتاه عبد الله وعيسى ابنا علي بن عبد الله بن عباس .

ولما قدم ابن هبيرة على العراق أرسل نباتة بن حنظلة الكلابي إلى عبد الله بن معاوية ، وبلغ سليمان بن حبيب أن ابن هبيرة استعمل نباتة على الأهواز فسرح داود بن حاتم ، فأقام بكرخ دينار يمنع نباتة من الأهواز ، فقاتله فقتل داود وهرب سليمان من الأهواز إلى سابور ، وفيها الأكراد قد غلبوا عليها ، فقاتلهم سليمان وطردهم عن سابور ، وكتب إلى ابن معاوية بالبيعة .

ثم إن محارب بن موسى اليشكري نافر ابن معاوية وفارقه ، وجمع جمعا فأتى سابور فقاتله يزيد بن معاوية أخو عبد الله ، فانهزم محارب وأتى كرمان فأقام بها حتى قدم محمد بن الأشعث فصار معه ، ثم نافره فقتله ابن الأشعث وأربعة وعشرين ابنا له ، ولم يزل عبد الله بن معاوية بإصطخر حتى أتاه ابن ضبارة مع داود بن يزيد بن عمر بن هبيرة ، وسير ابن هبيرة أيضا معن بن زائدة من وجه آخر ، فقاتلهم معن عند مرو شاذان ، ومعن يقول :

ليس أمير القوم بالخب الخدع فر من الموت وفي الموت وقع



وانهزم ابن معاوية فكف معن عنهم ، وقتل في المعركة رجل من آل أبي لهب ، وكان يقال : يقتل رجل من بني هاشم بمرو الشاذان ، وأسروا أسرى كثيرة ، فقتل ابن ضبارة منهم عدة كثيرة ، وهرب منصور بن جمهور إلى السند ، وعبد الرحمن بن يزيد إلى عمان ، وعمرو بن سهل بن عبد العزيز بن مروان إلى مصر ، وبعث ببقية الأسرى إلى ابن هبيرة فأطلقهم ، ومضى ابن معاوية إلى خراسان . فسار معن بن زائدة يطلب منصور بن جمهور فلم يدركه ، فرجع .

وكان مع ابن معاوية من الخوارج وغيرهم خلق كثير ، فأسر منهم أربعون ألفا ، فيهم : عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس ، فسبه ابن ضبارة وقال له : ما جاء بك إلى [ ص: 371 ] ابن معاوية وقد عرفت خلافه لأمير المؤمنين ؟ فقال : كان علي دين فأديته . فشفع فيه حرب بن قطن الهلالي وقال : هو ابن أختنا ، فوهبه له .

فعاب عبد الله بن علي عبد الله بن معاوية ورمى أصحابه باللواط ، فسيره ابن ضبارة إلى ابن هبيرة ليخبره أخبار ابن معاوية ، وسار في طلب عبد الله بن معاوية إلى شيراز فحصره ، فخرج عبد الله بن معاوية منها هاربا ومعه أخواه الحسن ويزيد ابنا معاوية وجماعة من أصحابه ، وسلك المفازة على كرمان ، وقصد خراسان طمعا في أبي مسلم لأنه يدعو إلى الرضاء من آل محمد وقد استولى على خراسان ، فوصل إلى نواحي هراة وعليها أبو نصر مالك بن الهيثم الخزاعي ، فأرسل إلى ابن معاوية يسأله عن قدومه ، فقال : بلغني أنكم تدعون إلى الرضاء من آل محمد فأتيتكم . فأرسل إليه مالك : انتسب نعرفك . فانتسب له ، فقال : أما عبد الله وجعفر فمن أسماء آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما معاوية فلا نعرفه في أسمائهم ، فقال : إن جدي كان عند معاوية لما ولد له أبي ، فطلب إليه أن يسمي ابنه باسمه ففعل ، فأرسل إليه معاوية بمائة ألف درهم . فأرسل إليه مالك : لقد اشتريتم الاسم الخبيث بالثمن اليسير ولا نرى لك حقا فيما تدعو إليه . ثم أرسل إلى أبي مسلم يعرفه خبره ، فأمره بالقبض عليه وعلى من معه ، فقبض عليهم وحبسهم ، ثم ورد عليه كتاب أبي مسلم يأمره بإطلاق الحسن ويزيد ابني معاوية وقتل عبد الله بن معاوية ، فأمر من وضع فراشا على وجهه فمات ، وأخرج فصلي عليه ودفن ، وقبره بهراة معروف يزار ، رحمه الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية