الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إذ يغشى السدرة ما يغشى : قال ابن عباس: غشيها رب العزة.

                                                                                                                                                                                                                                      الربيع بن أنس: غشيها نور الرب، والملائكة تقع عليها كما تقع الغربان على الشجرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((رأيت السدرة يغشاها فراش [ ص: 253 ] من ذهب، ورأيت على كل ورقة من ورقها ملكا قائما يسبح، وذلك قوله تعالى: إذ يغشى السدرة ما يغشى )) .

                                                                                                                                                                                                                                      ما زاغ البصر وما طغى : قال ابن عباس: أي: ما عدل يمينا، ولا شمالا، ولا جاوز الحد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لقد رأى من آيات ربه الكبرى : قال ابن عباس: رأى رفرفا سد الأفق، وقيل: عنى به: رؤيته جبريل عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      {من} : يجوز أن تكون للتبعيض، وتكون {الكبرى} مفعولة لـ {رأى} ، وهي في الأصل صفة، ويجوز أن تكون {من} زائدة، و {الكبرى} نعت لـ {آيات} على اللفظ، أو على الموضع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أفرأيتم اللات والعزى الآيات: المعنى: أفرأيتم الأصنام التي جعلتموها بنات الله تعالى؟ أتجعلون لأنفسكم الذكور وله البنات على زعمكم؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: تلك إذا قسمة ضيزى أي: جائرة. عن ابن عباس وغيره: الثوري: منقوصة.

                                                                                                                                                                                                                                      ووزن {ضيزى} : (فعلى) ، كسر أولها لتصح الياء، ولا يكون وزنها (فعلى) ؛ إذ ليس في الصفات ذلك، يقال: (ضزته حقه أضيزه) ، و(ضزته أضوزه) ، ولم [ ص: 254 ] تقلب الياء واوا وتقر الضمة على حالها؛ لأن الياء والكسرة أخف من الواو والضمة، ولم يخف فيه لبس؛ إذ ليس في الصفات (فعلى) ، ومن قال: (ضزته) ؛ جعله من الواو، ووجب أن يقول: (ضوزى) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {ضئزى} ؛ بالهمز؛ جعله مصدرا؛ مثل: (ذكرى) ، وليس بصفة؛ إذ ليس في الصفات (فعلى) ، ولا يكون أصلها (فعلى) ؛ إذ ليس فيها ما يوجب القلب، وهي من قولهم: (ضأزته) ؛ أي: ظلمته؛ فالمعنى: قسمة ذات ظلم، وقد قيل: هما لغتان بمعنى، وحكي فيها أيضا سواهما: {ضيزى} ، و (ضازى) ، و (ضوزى) ، و (ضؤزى) .

                                                                                                                                                                                                                                      و {اللات} فيما ذكره بعض المفسرين- أخذه المشركون من اسم (الله) تعالى، و {العزى} : من (العزيز) ، و {مناة} : من (منى الله الشيء) ؛ إذا قدره.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: {العزى} : شجرات كانوا يعبدونها.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير: {العزى} : حجر أبيض كانوا يعبدونه.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هو بيت كان ببطن نخلة، و {مناة} : صنم لخزاعة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن إسحاق: {مناة} : صخرة لهذيل وخزاعة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 255 ] وقيل: {اللات} : صنم لثقيف، و {العزى} : سمرة لهم عبدوها من دون الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {أفرأيتم} : من رؤية البصر؛ ولذلك نصب بها، ولو كانت التي للسؤال لم تتعد؛ نحو: أفرأيت الذي تولى [النجم: 33].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أم للإنسان ما تمنى أي: أم للإنسان ما تمنى من غير جزاء؟ ليس الأمر كذلك؛ لأن الله له الأخرة والأولى، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى : هذا توبيخ من الله تعالى لمن عبد الملائكة والأصنام، وزعم أن ذلك يقربه إلى الله عز وجل، فأعلم أن الملائكة لا تشفع إلا لمن أذن لها أن تشفع له.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ذلك مبلغهم من العلم : هذا متصل بقوله: ولم يرد إلا الحياة الدنيا يعني: أنهم إنما يبصرون أمر دنياهم، ويجهلون أمر دينهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا : اللام متعلقة بالمعنى الذي دل عليه: ولله ما في السماوات وما في الأرض ؛ كأنه قال: هو مالك ذلك، [يهدي من يشاء، ويضل من يشاء]؛ ليجزي الذين [أساءوا بما [ ص: 256 ] بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم : قال ابن عباس والشعبي: {اللمم} : كل ما دون الزنا، وعن ابن عباس أيضا: هو الرجل يلم بذنب، ثم يتوب، وقال: ألم تسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: [من الرجز] ((

                                                                                                                                                                                                                                      إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما

                                                                                                                                                                                                                                      )) مجاهد والحسن: هو الذي يأتي الذنب، ثم لا يعود.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو هريرة: هو ما كان في الجاهلية؛ فقد عفا الله عنه، وعنه أيضا قال: هو النظرة، والغمزة، والقبلة، والمباشرة؛ فإذا مس الختان الختان؛ فقد وجب الغسل، وهو الزنا، وروي معناه عن ابن مسعود.

                                                                                                                                                                                                                                      عبد الله بن عمرو بن العاص: {اللمم} : ما دون الشرك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {اللمم} : الذنب بين الحدين، وهو ما لم يأت عليه حد في الدنيا، ولا توعد عليه بعذاب في الآخرة، تكفره الصلوات الخمس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {اللمم} : أن يأتي ذنبا لم يكن له بعادة، قاله نفطويه، قال: والعرب [ ص: 257 ] تقول: (ما تأتينا إلا إلماما) ؛ أي: في الحين بعد الحين، قال: ولا يكون أن يهم ولا يفعل؛ لأن العرب لا تقول: (ألم بنا) إلا إذا فعل الإتيان، لا إذا هم به ولم يفعله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فلا تزكوا أنفسكم أي: لا تقولوا: إنا زاكون؛ فإنكم لا تدرون كيف أنتم عند الله تعالى؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى : قال مجاهد: المراد به: الوليد بن المغيرة، أعطى قليلا، ثم قطع.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل {أكدى} : من (الكدية) ، يقال لمن حفر بئرا، ثم بلغ إلى حجر لا يتهيأ فيه حفر: (قد أكدى) ، ثم استعمله العرب لمن أعطى ولم يتمم، ولمن طلب شيئا فلم يبلغ آخره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإبراهيم الذي وفى أي: أدى ما افترض عليه، وفعل ما أمر به، روي معناه عن ابن عباس، وعنه أيضا: كانوا قبل إبراهيم يأخذون الولي بالولي، حتى كان إبراهيم، فبلغ: ألا تزر وازرة وزر أخرى ؛ أي: بلغ ألا يحمل أحد ذنب أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو مالك الغفاري: قوله تعالى: ألا تزر وازرة وزر أخرى ، إلى قوله: فبأي آلاء ربك تتمارى : في صحف إبراهيم وموسى، قال: وعنى بقوله: ألا تزر وازرة وزر أخرى رجلا من المشركين كان ضمن للوليد بن المغيرة وقد كان الوليد اتبع [ ص: 258 ] النبي صلى الله عليه وسلم أنه إن رجع عنه تحمل عنه عذاب الآخرة، فقال الله تعالى: ألم يخبر هذا المضمون له بما في صحف إبراهيم وموسى وأنه لا يحمل أحد ذنب أحد؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأن سعيه سوف يرى أي: يريه الله جزاءه يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأنه هو أضحك وأبكى : قيل: معناه: أضحك أهل الجنة، وأبكى أهل النار في الآخرة، وقيل: أضحك من شاء في الدنيا بأن سره، وأبكى من شاء بأن غمه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى أي: إذا تقدر، عن أبي عبيدة.

                                                                                                                                                                                                                                      غيره: {تمنى} : تدفق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأن عليه النشأة الأخرى يعني: البعث.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأنه هو أغنى وأقنى : قال مجاهد: {أغنى} : مول، و {أقنى} : أخدم، وقيل: معنى {أقنى} : جعل لكم قنية تقتنونها، وقيل: معناه: أرضى.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: المعنى: أغنى من شاء، وأفقر من شاء، واختاره الطبري.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأنه هو رب الشعرى يعني: الكوكب الذي خلف الجوزاء، وهو أحد ذراعي الأسد، ويروى: أنهم كانوا يعبدونه في الجاهلية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 259 ] وقوله: وأنه أهلك عادا الأولى يعني: عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، وعاد الثانية: هي من ولد عاد الأولى.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: إنما قيل لها: عادا الأولى ؛ لأنها أول أمة هلكت بعد نوح عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن عادا الآخرة هي ثمود.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والمؤتفكة أهوى يعني: مدائن قوم لوط، رفعها جبريل، ثم أهوى بها، فغشاها ما غشى ؛ يعني: من العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فبأي آلاء ربك تتمارى أي: فبأي نعم ربك تتشكك؟ والمخاطبة للإنسان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هذا نذير من النذر الأولى : قال محمد بن كعب: يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم، وقيل: يعني: القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أزفت الآزفة أي: قربت القريبة، يعني: القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ليس لها من دون الله كاشفة أي: حال كاشفة، أو فرقة كاشفة، وقيل: إن {كاشفة} بمعنى: كاشف، والهاء للمبالغة، وقيل: معناها: انكشاف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أفمن هذا الحديث تعجبون يعني: القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأنتم سامدون أي: لاهون معرضون، عن ابن عباس، وعنه أيضا: هو الغناء بلغة حمير، يقال: (أسمد لنا) ؛ أي: تغن لنا، وكانوا إذا سمعوا القرآن [ ص: 260 ] يتلى؛ تغنوا.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: {سامدون} : شامخون، وقيل: معناه: غافلون.

                                                                                                                                                                                                                                      [النخعي: يعني به: القيام قبل الإمام في الصلاة].

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن عليا رضي الله عنه خرج إلى الصلاة، فرأى الناس قياما، فقال: ما لهم سامدون؟

                                                                                                                                                                                                                                      والمعروف في اللغة: (سمد يسمد سمودا) ؛ إذا لها وأعرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فاسجدوا لله واعبدوا : قال ابن عباس: لما تلاها النبي عليه الصلاة والسلام؛ سجد، وسجد معه المسلمون، والمشركون، والجن، والإنس.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية