الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الإعراب:

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن الشياطين من شدد ونصب؛ جاء بـ(لكن) على بابها، ومن خفف؛ فهي مخففة من الثقيلة، وبطل عملها، واختار الكسائي التشديد إذا كان قبلها واو، والتخفيف إذا لم يكن معها واو؛ وذلك لأنها مخففة تكون عاطفة ولا تحتاج إلى الواو معها كـ (بل)، فإذا كانت قبلها واو؛ لم تشبه (بل) ؛ لأن (بل) لا يدخل عليها الواو، فإذا كانت (لكن) شديدة؛ عملت عمل (إن)، ولم تكن عاطفة.

                                                                                                                                                                                                                                      وما أنزل على الملكين : (ما) في موضع نصب على العطف على (السحر)، أو على (ما) في قوله: واتبعوا ما تتلو الشياطين ، أو يكون جرا عطفا على ملك سليمان .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 329 ] وقيل: هي نافية، على أن يكون هاروت وماروت بدلا من (الشياطين)، أو بدلا من (الناس)، على ما تقدم في التفسير.

                                                                                                                                                                                                                                      وقولهما: إنما نحن فتنة فلا تكفر على هذا: استهزاء، كقول الخليع: (إنما أنا ضال، فلا تتبعني).

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في معنى فتح اللام وكسرها من (الملكين).

                                                                                                                                                                                                                                      ونصب هاروت وماروت على البدل من (الشياطين) الثاني على قراءة من شدد ونصب، أو من (الناس)، أو يكونان في موضع جر على البدل من (الملكين) ؛ بفتح اللام أو كسرها، على ما قدمنا في التفسير.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن رفع؛ جاز على قول من جعلهما ملكين أن يكونا خبر مبتدأ محذوف، وجاز أن يكونا بدلا من (الشياطين) الأول، أو الثاني في قراءة من رفعه، في قول من جعلهما شيطانين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فيتعلمون منهما معطوف على ما دل عليه أول الكلام، كأنه قال: [ ص: 330 ] (فيأبون فيتعلمون)، قاله الفراء، واستحسنه الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: عطف على (يعلمون الناس السحر) (فيتعلمون منهما)، عن الفراء، وأنكره الزجاج بسبب لفظ الجمع في (يعلمون) وقد قال: (منهما)، وأجازه أبو علي، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      و (يعلمون) يجوز أن يكون بدلا من (كفروا) ؛ لأن تعليم الشياطين السحر كفر في المعنى، ويجوز أن يكون حالا، المعنى: كفروا في حال تعليمهم السحر، ولا يمتنع عطف (فيتعلمون) على (يعلمون) وإن كان التعليم من الملكين خاصة، والضمير في (منهما) راجع إليهما؛ لأن قوله: (فيتعلمون منهما) إنما جاء بعد ذكر الملكين.

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب سيبويه: أن (فيتعلمون) [معطوف على (كفروا)، قال: وارتفعت (فيتعلمون) ]؛ لأنه لم يخبر عن الملكين أنهما قالا: "لا تكفر فيتعلموا" ليجعلا [ ص: 331 ] كفره سببا لتعلم غيره، ولكنه على: "كفروا، فيتعلمون".

                                                                                                                                                                                                                                      يريد: أن (فيتعلمون) ليس بجواب لقوله: (فلا تكفر) ؛ فينصب كما نصب لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب (طه: 11)، وشبهه؛ لأن كفر من نهي عن أن يكفر في الآية ليس سببا لتعلم من يتعلم، و (كفروا) في موضع فعل مرفوع، فعطف عليه مرفوع، ولا وجه لاعتراض من اعترض في العطف على (كفروا)، أو على (يعلمون) ؛ بأن فيه إضمار الملكين قبل ذكرهما؛ من أجل أن التقدير: ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر فيتعلمون منهما؛ لأن قوله: (فيتعلمون منهما) إنما جاء بعد ذكر الملكين، كما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن جعل (ما) نافية، و (هاروت وماروت) بدلا من (الشياطين) ؛ فالضمير في (منهما) لـ(هاروت وماروت)، لا لـ(الملكين)، وهو بين، وحمل الكلام على التثنية، و (الشياطين): جمع جائز، على ما قدمناه، وتقدير النظم على هذا الوجه: (ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا، يعلمون الناس السحر، فيتعلمون منهما، وما أنزل على الملكين ببابل) أي: لم ينزل عليهما.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي : يجوز ما أنكره الزجاج، على أن يكون (منهما) يرجع إلى [ ص: 332 ] السحر و (الكفر)، ويجوز أن يكون (فيتعلمون) معطوفا على (يعلمان).

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير الذي في (فيتعلمون) لـ(أحد)، وجمع حملا على المعنى، كما قال: فما منكم من أحد عنه حاجزين [الحاقة: 47]، وهذا العطف وإن كان على منفي، فذلك المنفي موجب في المعنى؛ لأن معناه: أنهما يعلمان كل أحد إذا قالا له: إنما نحن فتنة فلا تكفر.

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الزجاج هذا الوجه وقال: (الأجود أن يكون عطفا على: "يعلمان فيتعلمون"، واستغني عن ذكر (يعلمان) بما في الكلام من الدليل عليه).

                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي : ([لا وجه لقوله: "استغني]) عن ذكر (يعلمان) "؛ لأنه موجود في النص).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (بين المر وزوجه): ترك الهمز مع التخفيف على تخفيف الهمز القياسي، والتشديد على إرادة الوقف بالتضعيف بعد التخفيف، ثم حمل الوصل على الوقف، على ما تقدم في (الجزء).

                                                                                                                                                                                                                                      و (المرء) و (المر) لغتان.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية