الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 344 ] فصل

                                                                                                                          في تعليقه بالطلاق

                                                                                                                          إذا قال : إذا طلقتك فأنت طالق ، ثم قال : إذا قمت فأنت طالق - فقامت طلقت طلقتين ، وإن قال : إن قمت فأنت طالق ، ثم قال : إذا طلقتك فأنت طالق ، فقامت - طلقت واحدة ، وإن قال : إن قمت فأنت طالق ، ثم قال : إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق ، فقامت - طلقت طلقتين ، وإن قال : كلما طلقتك فأنت طالق ، ثم قال : أنت طالق - طلقت طلقتين ، وإن قال : كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ، ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو سبب - طلقت ثلاثا ، وإن قال : كلما وقع عليك طلاقي ، أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ، ثم قال : أنت طالق - فلا نص فيها ، وقال أبو بكر والقاضي : تطلق ثلاثا ، وقال ابن عقيل : تطلق بالطلاق المنجز ، ويلغو ما قبله .

                                                                                                                          وإن قال لأربع نسوة : أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق ، ثم وقع على إحداهن طلاقه - طلقن ثلاثا ثلاثا ، وإن قال : كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر ، وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران ، وكلما طلقت ثلاثا فثلاثة أحرار ، وكلما طلقت أربعا فأربعة أحرار ، ثم طلقهن جميعا ، عتق خمسة عشر عبدا ، وقيل : عشرة ، ويحتمل ألا يعتق إلا أربعة ، إلا أن تكون له نية وإن قال لامرأته : إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ، ثم كتب إليها : إذا أتاك كتابي فأنت طالق ، فأتاها الكتاب - طلقت طلقتين ، وإن قال : أردت أنك طالق بذلك الطلاق الأول ، دين ، وهل يقبل في الحكم ؛ على روايتين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          في تعليقه بالطلاق

                                                                                                                          ( إذا قال : إذا طلقتك فأنت طالق ، ثم قال : إذا قمت فأنت طالق - فقامت طلقت طلقتين ) ؛ لأنها تطلق واحدة بقيامها ، وأخرى بالصفة ؛ لأن الصفة تطليقة لها ، وتعليقه لطلاقها بقيامها إذا اتصل به القيام تطليق لها ، فلو قال : إذا طلقتك فأنت طالق ، ثم قال : أنت طالق ، وقعت واحدة بالمباشرة ، وأخرى بالصفة إن كانت مدخولا بها ؛ لأنه جعل تطليقها شرطا لوقوع طلاقها ، وإن كانت غير مدخول بها - بانت بالأولى ولم تقع الثانية ؛ لأنه لا عدة عليها ، فإن قال : عنيت بأنه يقع عليك ما باشرتك به ، دين ، وفي الحكم روايتان .

                                                                                                                          فرع : إذا وكل من طلقها فهو كمباشرته ؛ لأن فعل الوكيل كموكله .



                                                                                                                          ( وإن قال : إن قمت فأنت طالق ، ثم قال : إذا طلقتك فأنت طالق ، فقامت - طلقت واحدة ) ؛ لقيامها ، ولم تطلق بتعليق الطلاق ؛ لأنه لم يطلقها بعد ذلك ؛ لأن هذا يقتضي ابتداء إيقاع ووقوع الطلاق هنا بالقيام ، إنما هو وقوع بصفة سابقة لعقد الطلاق شرطا ( وإن قال : إن قمت فأنت طالق ، ثم قال : إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق ، فقامت - طلقت طلقتين ) واحدة بالقيام ، والثانية بوقوع الطلاق عليها إن كانت مدخولا بها ؛ لأن الطلاق الواقع بها طلاقه ، فقد وجدت الصفة ، وإن كانت غير [ ص: 345 ] مدخول بها - فواحدة .

                                                                                                                          ( وإن قال : كلما طلقتك فأنت طالق ، ثم قال : أنت طالق - طلقت طلقتين ) إحداهما بالمباشرة ، والأخرى بالصفة ، ولا تقع ثالثة ؛ لأن قوله : " كلما طلقتك " تقتضي : كلما أوقعت عليك الطلاق ، وهذا يقتضي تجديد إيقاع طلاق بعد هذا القول ، فلو قال لها بعد عقد الصفة : إن خرجت فأنت طالق ، فخرجت - طلقت بالخروج طلقة ، وبالصفة أخرى ؛ لأنه قد طلقها .

                                                                                                                          فلو قال : كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق ، فهو كقوله : كلما طلقتك فأنت طالق ، وذكر القاضي في هذا : أنه إذا أوقع عليها طلاقه بصفة عقدها لم تطلق ؛ لأن ذلك ليس بإيقاع منه ، وفيه نظر ؛ فإنه قد أوقع عليها الطلاق بشرط ، فإذا وجد الشرط فهو الموقع للطلاق عليها .



                                                                                                                          ( وإن قال : كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ، ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو سبب - طلقت ثلاثا ) ؛ لأنه إذا طلقها بمباشرة أو سبب طلقت واحدة ، فيصدق أنه وقع عليها طلاقه ، فتطلق أخرى بالصفة ، وتقع الثالثة ؛ لأن " كلما " للتكرار ، وفي " الكافي " و " الشرح " : لأن الثانية طلقة واقعة عليها ، فتقع بها الثالثة .

                                                                                                                          ( وإن قال : كلما وقع عليك طلاقي ، أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ، ثم قال : أنت طالق - فلا نص فيها ) أي : لم ينقل عن الإمام أحمد فيها شيء ، والصواب : وقوع الطلاق ؛ لعمومات النصوص ؛ ولأن الله تعالى شرع الطلاق لمصلحة تتعلق به ، فلا يجوز إبطالها ، وفي القول بعدمها إبطال لها ؛ ولأنه طلاق من مكلف مختار في محل النكاح صحيح ، فيجب أن يقع ، كما لو لم يعقد هذه [ ص: 346 ] الصفة .

                                                                                                                          ( وقال أبو بكر والقاضي : تطلق ثلاثا ) واختاره الجمهور ، ذكره في " الترغيب " ، وجزم به في " المستوعب " عن أصحابنا ؛ لأنه وصف المعلق بصفة فيستحيل وصفه بها ، فإنه يستحيل وقوعها بالشرط قبله ، فلغت صفتها بالقبلية ، وصار كأنه قال : إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثلاثا ، قيل : معا ، وقيل : المعلق ، وقيل : المنجز ، ثم تتمتها من المعلق ، لكن إذا كان المنجز أقل من ثلاث - كملت من المعلق ، وإن كان ثلاثا ، لم يقع من المعلق شيء ؛ لأنه لم يصادف محلا .

                                                                                                                          ( وقال ابن عقيل : تطلق بالطلاق المنجز ) ؛ لأن المحل صالح له ( ويلغو ما قبله ) أي : تعليقه باطل ؛ لأنه طلاق في زمن ماض أشبه قوله : أنت طالق أمس ؛ ولأنه لو وقع المعلق لمنع وقوع المنجز ، فإذا لم يقع المنجز بطل شرط المعلق ، فاستحال وقوع المعلق ولا استحالة في وقوع المنجز ، فيقع ، وقيل : لا يقع شيء ، أما المنجز فلأنه لو وقع لوقع ثلاث قبله ؛ لوجود الشرط ، ولو كان كذلك لما وقع ، إذ لا مزيد على الثلاث ، فلزم من وقوعه عدم وقوعه ، فلم يقع ، وأما المعلق فإنه إذا لم يقع المنجز لم يوجد الشرط ، وهذا ما صححه الأكثرون من الشافعية ، وحكاه بعضهم عن النص ، وقاله الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين ، والقفال شيخ المراوزة ، قال في " المهمات " : فكيف تسوغ الفتوى بما يخالف نص الشافعي وكلام الأكثرين ؛ ونصر في " الشرح " الأول ، وأكده بقوله : إذا انفسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثا ، ثم وجد ما يفسخ النكاح من رضاع أو ردة ، فإنه يرد على ابن سريج فيها ، ولا خلاف في انفساخ النكاح ، قال القاضي : ما ذكروه ذريعة إلى أنه لا يقع عليها الطلاق جملة ، ولو قال لزوجته الأمة : إذا ملكتك فأنت طالق ثلاثا ، ثم ملكها طلقت في الأقيس ، وفي " المحرر " : لا تطلق وجها واحدا .

                                                                                                                          [ ص: 347 ] تنبيه : إذا قال : كلما طلقتك طلاقا أملك فيه رجعتك فأنت طالق ، ثم قال : أنت طالق - طلقت طلقتين ، إحداهما بالمباشرة ، والأخرى بالصفة ، إلا أن تكون الطلقة بعوض ، أو غير مدخول بها ، فلا تقع ثانية ، وإن طلقها ثنتين طلقت الثالثة ، نصره في " الشرح " ، وهو الأصح .

                                                                                                                          وإن قال : كلما طلقت ضرتك فأنت طالق ، ثم قال مثله للضرة ، ثم طلق الأولة - طلقت الضرة طلقة بالصفة ، والأولة طلقتين بالمباشرة ، ووقوعه بالضرة تطليق ؛ لأنه أحدث فيها طلاقا بتعليقه طلاقها بائنا ، وإن طلق الثانية فقط ، طلقتا طلقة طلقة .



                                                                                                                          ( وإن قال لأربع نسوة : أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق ، ثم وقع على إحداهن طلاقه - طلقن ثلاثا ثلاثا ) ؛ لأنه إذا وقع طلاقه على واحدة وقع على صواحبها ، ووقوعه على واحدة منهن يقتضي وقوعه على صواحبها ، فيتسلسل الوقوع عليهن إلى أن تكمل الثلاث بكل واحدة .

                                                                                                                          فرع : لو كان له ثلاث نسوة ، فقال : إن طلقت زينب فعمرة طالق ، وإن طلقت عمرة فحفصة طالق ، وإن طلقت حفصة فزينب طالق ، ثم طلق زينب - طلقت عمرة ، ولم تطلق حفصة ، وإن طلق عمرة طلقت حفصة ، ولم تطلق زينب ، وإن طلق حفصة طلقت زينب ، ثم طلق عمرة وقع الطلاق بالثلاث ؛ لأنه أحدث في زينب طلاقا بعد تعليقه طلاق عمرة بطلاقها .



                                                                                                                          ( وإن قال : كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر ، وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران ، وكلما طلقت ثلاثا فثلاثة أحرار ، وكلما طلقت أربعا [ ص: 348 ] فأربعة أحرار ، ثم طلقهن جميعا ) مجتمعات أو متفرقات ( عتق خمسة عشر عبدا ) هذا هو الأصح ؛ لأن فيهن أربع صفات : هن أربع ، فيعتق أربعة ، وهن أربعة آحاد ، فيعتق أربعة أيضا ، وهن اثنتان واثنتان ، فيعتق كذلك ، وفيهن ثلاث ، فيعتق بذلك ثلاث ، وإن شئت قلت : يعتق بالواحدة واحد ، وبالثانية ثلاثة ؛ لأن فيها صفتين : هي واحدة ، وهي مع الأولى اثنتان ، ويعتق بالثالثة أربعة ؛ لأنها واحدة ، وهي مع الأولى والثانية ثلاث ، ويعتق بالرابعة سبعة ؛ لأن فيها ثلاث صفات : هي واحدة وهي مع الثانية اثنتان ، وهي مع الثلاث التي قبلها أربع .

                                                                                                                          قال في " المغني " : وهذا أولى من الأول ؛ لأن قائله لا يعتبر صفة الطلاق الواحدة في غير الأولى ، ولا صفة التثنية في الثالثة والرابعة ( وقيل : عشرة ) بالواحدة واحد ، وبالثانية اثنان ، وبالثالثة ثلاثة ، وبالرابعة أربعة ، وقيل : يعتق سبعة عشر ؛ لأن صفة التثنية قد وجدت ثلاث مرات ، فإنها توجد ، فيضم الأولى إلى الثانية ، ويضم الثانية إلى الثالثة ، ويضم الثالثة إلى الرابعة ، وقيل : عشرون ؛ لأن صفة الثلاثة وجدت مرة ثانية بضمه الثانية والثالثة إلى الرابعة ، وردهما في " المغني " و " الشرح " بأن كلا منهما غير سديد ( ويحتمل ألا يعتق إلا أربعة ) واختاره في " الرعاية " إن طلقن معا ، كقوله : كلما أعتقت أربعة ، فأربعة أحرار ؛ لأن هذا الذي يسبق إلى أذهان العامة ، وهذا مع الإطلاق ( إلا أن تكون له نية ) فيعمل بها ؛ لأن مثل ذلك لا يراد منه عرفا غير ذلك .

                                                                                                                          ومتى لم يعين العبيد المعتقين ، أخرجوا بالقرعة ، والأول أصح ، قاله في " المغني " ؛ لأن كلما تقتضي التكرار ، والصفات المتقدمة متكررة ، فيجب أن يتكرر الطلاق ، فلو جعل مكانها " إن " لم يتكرر [ ص: 349 ] لعدم تكرارها ، ولم يعتق سوى عشرة ، كالقول الثاني .

                                                                                                                          تنبيه : لو قال : كلما صليت ركعة فعبدي حر ، وهكذا إلى آخره ، فصلى عشرة ، عتق سبعة وثمانون عبدا على الأول .

                                                                                                                          ولو علق طلاقها بدخول الدار على صفات أربع بأن قال : إن دخلها رجل ، فعبد من عبيدي حر ، وإن دخلها طويل ، فعبدان حران ، وإن دخلها أسود فثلاثة أحرار ، وإن دخلها فقيه فأربعة أحرار ، فدخلها رجل متصف بما ذكرنا - عتق عشرة .

                                                                                                                          فرع : إذا قال : إن طلقتك فعبدي حر ، ثم قال لعبده : إن قمت فامرأتي طالق ، فقام ، طلقت وعتق ، ولو قال لعبده : إن قمت فامرأتي طالق ، ثم قال لامرأته : إن طلقتك فعبدي حر ، فقام العبد - طلقت ولم يعتق العبد ؛ لأن وقوع الطلاق بالصفة إنما يكون تطليقا مع وجودها .



                                                                                                                          ( وإن قال لامرأته : إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ، ثم كتب إليها : إذا أتاك كتابي فأنت طالق ، فأتاها الكتاب - طلقت طلقتين ) ؛ لأنه علق طلاقها بصفتين : مجيء طلاقه ، ومجيء كتابه ، وقد اجتمعتا في مجيء الكتاب .

                                                                                                                          وفي " الكافي " : إذا ذهبت حواشيه ، أو انمحى كل ما فيه إلا ذكر الطلاق طلقت ؛ لأنه أتاها كتابه مشتملا على المقصود ، فإن انمحى ذكر الطلاق ، أو ضاع الكتاب - لم تطلق ؛ لأن المقصود لم يأت .

                                                                                                                          ( وإن قال : أردت أنك طالق بذلك الطلاق الأول ، دين ) ؛ لأنه محتمل ، وهو أعلم بإرادته ( وهل يقبل في الحكم ؛ على روايتين ) كذا في " الفروع " أشهرهما : [ ص: 350 ] القبول لما ذكرنا ، والثانية : لا يقبل ؛ لأنه خلاف الظاهر ، فلو علق طلاقها على قراءة الكتاب ، فقرأته أو قرئ عليها - وقع إن كانت أمية ، وإن كانت قارئة فوجهان ، قاله في " الترغيب " و " الرعاية " .

                                                                                                                          قال أحمد : لا تتزوج حتى يشهد عندها شاهدا عدل ، لا حامل الكتاب وحده .




                                                                                                                          الخدمات العلمية