الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 92 ] وإن تزوج أمة يظنها حرة ، فأصابها وولدت منه ، فالولد حر ، ويفديهم بمثلهم يوم ولادتهم ويرجع بذلك على من غره ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء ، وإن كان ممن يجوز له ذلك فله الخيار ، فإن رضي بالمقام معها ، فما ولدت بعد ذلك فهو رقيق ، وإن كان المغرور عبدا ، فولده أحرار ، ويفديهم إذا عتق ، ويرجع به على من غره ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن تزوج أمة يظنها حرة ) أو شرطها حرة ، واعتبر في " المستوعب " مقارنته - لم يبطل العقد بالغرور ، لا يقال : ينبغي أن يفسد ، كما لو قال : بعتك هذا الفرس ، فإذا هو حمار ; لأن المعقود عليه في النكاح الشخص دون الصفات ، فلا يؤثر عدمه في صحته ، كما لو قال : زوجتك هذه الحسناء ، فإذا هي شوهاء ، وذاتها مختلفة ، والبيع يؤثر فيه فوات الصفات ، بخلاف النكاح ( فأصابها وولدت منه ، فالولد حر ) بغير خلاف نعلمه ; لاعتقاده حريته ، كما إذا اشترى أمة ، فبانت مغصوبة بعد أن أولدها ، قال ابن عقيل : كما ينعقد ولد القرشي قرشيا باعتقاده ( ويفديهم ) على المذهب المنصوص عليه في رواية الجماعة ; لقضاء الصحابة : عمر ، وعلي ، وابن عباس ; ولأنه نماء مملوكه ، فسبيله أن يكون ملكا لمالكها ، وقد فوته الزوج باعتقاده الحرية ، فوجب عليه الضمان ، كما لو فوته بفعله ، ونقل عنه ابن منصور : لا فداء عليه ; لانعقاد الولد حرا ، والحر لا يملك ، وروى الخلال هذه ، وقال : أحسبه قولا ، روي لأبي عبد الله ; لأنهم اتفقوا على الفداء ، ونقل حنبل : يخير بين الفداء فيكون الولد حرا ، وبين الترك فيكون رقيقا ، وهو ظاهر ما نقل عن علي ، شرط أن تضعه حيا لوقت يعيش لمثله ، وصفة الفداء ووقته تقدما في الغصب ( بمثلهم يوم ولادتهم ) ; لقول عمر : مكان كل غلام بغلام ، وكل جارية بجارية ، وعنه : يفديهم بقيمتهم ، وصححه في " المغني " ; لأن الحيوان ليس بمثلي ، فيضمن بالقيمة كسائر المتقومات ، وعنه : يخير فيهما ، روي عن عمر ، فإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء ، وقد نكحها نكاحا صحيحا - فلها المسمى ، وإن كان لم يدخل بها واختار الفسخ ، فلا مهر ; لأن الفسخ لعذر من جهتها ، وإن لم يبح [ ص: 93 ] له ، فباطل كعلمه ، وعند أبي بكر : يصح ، وله الخيار ، وبناء في " الواضح " على الكفاءة ، وحينئذ لا مهر قبل الدخول ، وبعده هل يجب المسمى أو مهر المثل ؛ فيه روايتان ، وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء ، فلا مهر قبل الخلوة ; لفساد العقد ، وكذا بعدها على رأي المؤلف ، وقياس المذهب : يجب ( ويرجع بذلك على من غره ) أي : من المهر وقيمة الأولاد - في ظاهر المذهب ; لقضاء جماعة من الصحابة ، وكأمره بإتلاف مال غيره بأنه له ، فلم يكن ذكره في " الواضح " ، وعنه : لا يرجع بالمهر ، اختاره أبو بكر ; لأنه دخل على ذلك لاسيما وقد استوفى المنفعة المقابلة له ، روي عن علي ، وقال القاضي : الأظهر أنه يرجع به ; لأن أحمد قال : كنت أذهب إلى حديث علي ثم إني هبته ، وكأني أميل إلى حديث عمر ، وعلى هذا يرجع بأجرة الخدمة إذا غرمها ، وظاهره الرجوع مع الظن ، وهو ظاهر كلام أحمد ; إذ الصحابة الذين قضوا بالرجوع لم يستفصلوا ، وظاهر الخرقي خلافه ، وصرح به المجد وابن حمدان ، وعن القاضي : لا يرجع إلا مع شرط مقارن لا مع تقدمه ; لأنه مفرط حيث اعتمد على ظنه .

                                                                                                                          تنبيه : الغارم من علم أنها أمة ولم يبين ، نص عليه ، ثم لا يخلو إما أن يكون السيد أو المرأة أو وكيلها أو أجنبي ، فإن كان السيد وقال : هي حرة - عتقت ، وبغيرها لا تثبت الحرية ، ولا يجب له شيء ، نعم ، إن قلنا : إن الزوج لا يرجع بالمهر - وجب للسيد ; لانتفاء المحذور ، ولا يتصور منه على قول القاضي ; لأن شرطه المقارنة ، وإن كان وكيلها ، رجع عليه في الحال ، وكذا إن كان أجنبيا في ظاهر كلام أحمد ، بل صريحه في رواية ابنيه ، وظاهر كلام القاضي لا رجوع [ ص: 94 ] عليه ، وإن كانت المرأة ، ففي الرجوع عليها وجهان ، أحدهما - هو ظاهر كلام الخرقي والمؤلف - : له الرجوع عليها لمكان الغرور ، وهل يتعلق برقبتها أو ذمتها على وجهي استدانة العبد بدون إذن سيده ، والثاني - وهو ظاهر كلام أحمد - : لا رجوع ; إذ الولد ملك السيد ، وهي لا تملك بذل ذلك ، أشبه ما لو أذنت في قطع طرفها ، ولمستحق الفداء مطالبة الغار أولا ، نص عليه ( ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء ) ; لأنا قد بينا فساد العقد من أصله ، أشبه المنكوحة في العدة أو بلا رضى ، وكذا إن تزوجها بلا رضى سيدها أو اختل شرط من شروط النكاح ، وفي " الواضح " : إن المغرور الحر لا يبطل نكاحه في وجه ، بل له الخيار ، واختاره أبو بكر ( وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء ) بالشرطين السابقين في الحر ، وفي العبد أن لا يكون تحته حرة ( فله الخيار ) ; لأنه غر بحريتها ، فثبت له الخيار كما لو غرت بحريته ; ولما فيه من ضرره بالولد ، وهو منفي شرعا ( فإن رضي بالمقام معها ، فما ولدت بعد ذلك فهو رقيق ) ; لانتفاء الغرر إذن ، وعلم منه أن الولد يتبع أمه في الحرية والرق ، نص عليه محتجا بقول عمر ، وظاهره ، وإن كانت قد علقت به قبل الرضى ، وهو ظاهر الخرقي ، وعلله المؤلف بأن أكثر الأحكام إنما تتعلق بالوضع ، أما هنا فقد جعل الحكم منوطا بالعلوق ، وصرح به المجد ، وإن اختار فسخ النكاح انفسخ ، وعموم كلامه يقتضي ثبوت الخيار للعبد كالحر ، وهو الصحيح ، وقيل : لا اختيار للعبد لتساويهما .

                                                                                                                          تنبيه : من غر بحرية مكاتبة أو من بعضها حر - فكالأمة ولا مهر في [ ص: 95 ] الأصح ; لمكاتبة غارة ، لعدم الفائدة ، وولدها مكاتب ، فيغرم أبوه قيمته لها على الأصح ، والمعتق بعضها يجب لها البعض فيسقط ، وولدها يغرم أبوه قدر رقه ، ولو أوهمته أنها زوجته أو سريته بظنه فموطوءة بشبهة أو أوهمه سيدها به فلا مهر ، وإن جهلت تحريمه ويغرر عالمه ، ذكر الشيخ تقي الدين قال : وإن جهل فساد نكاح كتغرير غار كأخته من رضاع - فالمهر على الغار .

                                                                                                                          ( وإن كان المغرور عبدا فولده أحرار ) ; لأنه ساوى الحر في اعتقاد حريته ( ويفديهم إذا عتق ) كالحر ; لفوات الرق المستحق ، لكن الحر يجب عليه الفداء في الحال كبقية الحقوق اللازمة له ، أما العبد فلا مال له في الحال ، فيتأخر الفداء إلى وقت ملكه ويساره وهو العتق ، وبناه القاضي في " الجامع " على الخلاف في استدانته بغير إذن سيده ، وبناه المؤلف على خلع الأمة بغير إذن سيدها ، وقيل : يتعلق برقبته ، وهو رواية في " الترغيب " كجنايته ، والفرق أن الجناية من فعله بخلاف الفداء ، فإنه لم يجن في عتقهم ، وإنما عتقوا من طريق الحكم ( ويرجع به على من غره ) كالحر ، لكن يرجع به في الحال ، وأما العبد فلا يرجع إلى حين الغرم ; حذارا من أن يجب له ما يعتق عليه ، نعم ، يتعلق الفداء برقبته يرجع به السيد في الحال .




                                                                                                                          الخدمات العلمية