الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          في تعليقه بالحلف

                                                                                                                          إذا قال : إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ، ثم قال : أنت طالق إن قمت أو دخلت الدار - طلقت في الحال ، وإن قال : أنت طالق إن طلعت الشمس ، أو قدم الحاج ، فهل هو حلف ؛ فيه وجهان وإن قال : إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ، أو قال : إن كلمتك فأنت طالق ، وأعاده مرة أخرى ، طلقت واحدة ، وإن أعاده ثلاثا ، طلقت ثلاثا ، وإن قال لامرأتيه : إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان ، وأعاده - طلقت كل واحدة طلقة ، وإن كانت إحداهما غير مدخول بها ، فأعاده بعد ذلك - لم تطلق واحدة منهم ، وإن قال لمدخول بهما : كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان ، وأعاده - طلقت كل واحدة طلقتين ، وإن قال : كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق ، أو فضرتها طالق ، وأعاده - طلقت كل واحدة طلقة ، وإن قال لإحداهما : إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ، ثم قال ذلك للأخرى - طلقت الأولى ، وإن أعاده للأولى طلقت الأخرى .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          في تعليقه بالحلف

                                                                                                                          ( إذا قال : إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ، ثم قال : أنت طالق إن قمت أو دخلت الدار ) أو إن لم تدخلي الدار ، أو إن لم يكن هذا القول حقا ( طلقت في الحال ) ؛ لأنه حلف بطلاقها ، وكذا كل شرط فيه حث أو منع ، والأصح : أو تصديق خبر ، أو تكذيبه ، وعلم منه أن كل شرط ممكن الوجود ممكن العدم يقع به الطلاق ، واستثنى جماعة ثلاث صور أحدها : تعليقه على المشيئة ؛ لأن ذلك تمليك لا حلف ، الثاني : تعليقه على الحيض ؛ لأنه تعليق بدعة ، الثالث : تعليقه على الطهر ؛ لأنه طلاق سنة ، وأبى آخرون استثناءها ، ذكره الشيخ تقي الدين ، واختار العمل بعرف المتكلم ، وقصده في مسمى اليمين ، وأنه موجب أصول أحمد ونصوصه .

                                                                                                                          ( وإن قال : أنت طالق إن طلعت الشمس ، أو قدم الحاج ، فهل هو حلف ؛ فيه وجهان ) أحدهما : لا تطلق حتى تطلع الشمس أو يقدم الحاج - قاله القاضي في " المحرر " واختاره ابن عقيل ، وقدمه في " المحرر " و " الفروع " ؛ لأن [ ص: 351 ] الحلف ما قصد به المنع من شيء أو الحث عليه ، وليس فيهما شيء من ذلك ، والثاني : أنه حلف ، قاله القاضي في " الجامع " وأبو الخطاب ، وقدمه السامري ؛ لأنه علق على شرط ، ويسمى حلفا عرفا ، فتعلق الحكم به ، كما لو قال : إن دخلت الدار ، فأنت طالق ؛ ولأن في الشرط معنى القسم من حيث كونه جملة غير مستقلة دون الجواب ، أشبه قوله : والله ، وبالله ، وتالله .

                                                                                                                          ( وإن قال : إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ، أو قال : إن كلمتك فأنت طالق ، وأعاده مرة أخرى ، طلقت واحدة ) ؛ لأنه حلف بطلاقها ، لكن لو قصد بإعادته إفهامها - لم يقع ، ذكره أصحابنا بخلاف ما لو أعاده من علقه بالكلام ، وأخطأ بعض أصحابنا وقال فيها كالأولى ، ذكره في " الفنون " .

                                                                                                                          ( وإن أعاده ثلاثا ) أي غير المرة الأولى ( طلقت ثلاثا ) وحاصله : أنه إذا أعاده ثلاثا طلقت اثنتين ، وإن أعاده أربعا طلقت ثلاثا ؛ لأن كل مرة يوجد فيها شرط الطلاق ، وينعقد شرط لطلقة أخرى ، هذا إذا كانت مدخولا بها ، وإلا بانت بالأولة .

                                                                                                                          ( وإن قال لامرأتيه : إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان ، وأعاده - طلقت كل واحدة طلقة ) ؛ لأن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما ، وقد وجد ، وإن أعاده ثلاثا طلقتا طلقتين ، وإن أعاده أربعا - فثلاث ؛ لوجود الشرط وهو الحلف .

                                                                                                                          ( وإن كانت إحداهما غير مدخول بها ، وأعاده بعد ذلك - لم تطلق واحدة منهما ) ؛ لأن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما ، ولم يوجد ؛ لأن غير المدخول بها لا يصح الحلف بطلاقها ؛ لأنها بائن ، فإن جدد نكاح البائن ، ثم قال لها : إن كلمتك ، فأنت طالق ، فاختار المؤلف أنها لا تطلق ، وهو معنى كلامه في " الكافي " أنه لا يصح الحلف بطلاقها ؛ لأن الصفة لم تنعقد ؛ لأنها بائن ، وكذا جزم به في " الترغيب " [ ص: 352 ] أنه لا يصح التعليق بعد البينونة ، وإنما عللوا بذلك أن ما يقع به الطلاق به الصفة ، كمسألة الولادة في الأشهر ، وقيل : تطلقان ؛ لأنه صار بهذا حالفا بطلاقهما ، وقد حلف بطلاق المدخول بها بإعادة قوله ، فطلقتا حينئذ .



                                                                                                                          ( وإن قال لمدخول بهما : كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان ، وأعاده ثانيا - طلقت كل واحدة طلقتين ) ؛ لأنه بإعادته حالف بطلاق كل واحدة منهما ، وهو شرط لطلاقهما ، وكلمة " كلما " للتكرار ، فيتكرر طلاقهما لتكرر عددهما .

                                                                                                                          ( وإن قال : كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق ، أو فضرتها طالق ، وأعاده ، طلقت كل واحدة طلقة ) ؛ لأن حلفه بطلاق واحدة إنما اقتضى طلاقها وحدها ، وما حلف بطلاقها إلا مرة ، فتطلق واحدة ( وإن قال لإحداهما : إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ، ثم قال ذلك للأخرى - طلقت الأولى ) ؛ لأن التعليق حلف ، وقد علق طلاق ضرتها ، فتطلق الأولى ؛ لوجود شرط طلاقها ، وهو تعليق طلاق ضرتها ( وإن أعاده للأولى طلقت الأخرى ) ؛ لأن ذلك تعليق لطلاقها ، وكلما أعاده لامرأة ، طلقت الأخرى إلى أن يبلغ ثلاثا ، وإن كانت إحداهما غير مدخول بها ، فطلقت مرة - لم تطلق الأخرى ؛ لأنه ليس حلفا بطلاقها ؛ لكونها بائنا ، فلو قال : كلما حلفت بطلاقكما فإحداكما طالق ، وكرره ثلاثا أو أكثر - لم يقع شيء ، ذكره في " المحرر " و " الرعاية " و " الفروع " ؛ لأن هذا حلف طلاق واحدة ، ولم يوجد الحلف بطلاقهما ، وإن قال لمدخول بهما : كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فإحداكما طالق ، ثم قاله ثانيا [ ص: 353 ] وقعت بإحداهما طلقة ، وتعين بقرعة ، ذكره الأصحاب .

                                                                                                                          مسائل : إذا قال : إن حلفت بطلاق زينب فنسائي طوالق ، ثم قال : إن حلفت بطلاق عمرة فنسائي طوالق ، وإن حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق ، طلقت كل واحدة طلقتين ، فلو قال : كلما حلفت لطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ، ثم قال ذلك مرة ثانية - طلقن ثلاثا ثلاثا ، ولو كان مكان " كلما " " إن " وأعاده - طلقن واحدة واحدة ، وإن قال بعد ذلك لإحداهن : إن قمت فأنت طالق ، طلقت كل واحدة طلقة أخرى ، وإن قال : كلما حلفت بطلاقكن فأنتن طوالق ، ثم أعاد ذلك ، طلقت كل واحدة طلقة ، وإن قال بعد ذلك لإحداهن : إن قمت فأنت طالق ، لم تطلق واحدة منهن ، وإن قال ذلك للاثنتين الباقيتين ، طلق الجميع طلقة طلقة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية