الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4223 باب: قول النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا سيد ولد آدم"

                                                                                                                              وقال النووي: ( باب تفضيل نبينا، صلى الله عليه وآله وسلم، على جميع الخلائق).

                                                                                                                              [ ص: 487 ] (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 37 جـ 15، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبد الله بن فروخ; حدثني أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة. وأول من ينشق عنه القبر. وأول شافع، وأول مشفع"].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة) رضي الله عنه: (قال: قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة. قال الهروي: "السيد": هو الذي يفوق قومه في الخير. وقال غيره: هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد، فيقوم بأمرهم، ويتحمل عنهم مكارههم، ويدفعها عنهم. انتهى.

                                                                                                                              وقد سمى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم; غيره: "سيدا" كما في حديث: "قوموا إلى سيدكم". وحديث: "إن ابني هذا سيد". وذريته، صلى الله عليه وآله وسلم; كلها: "سادة". ويقال لبني فاطمة خاصة: "السادات".

                                                                                                                              قال النووي: سبب التقييد بيوم القيامة مع أنه سيدهم في الدنيا [ ص: 488 ] والآخرة: أن في يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد. ولا يبقى منازع ولا معاند ونحوه. بخلاف الدنيا، فقد نازعه ذلك فيها: ملوك الكفار، وزعماء المشركين. قال: وهذا التقييد قريب من معنى قوله تعالى: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار مع أن الملك له سبحانه قبل ذلك. لكن كان في الدنيا: من يدعي الملك. أو من يضاف إليه مجازا، فانقطع كل ذلك، في الآخرة.

                                                                                                                              قال العلماء: لم يقل ذلك فخرا. بل صرح بنفي الفخر; في غير مسلم، في الحديث المشهور: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" وإنما قاله لوجهين:

                                                                                                                              أحدهما: امتثال قوله تعالى: وأما بنعمة ربك فحدث .

                                                                                                                              والثاني: أنه من البيان، الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته؛ ليعرفوه، ويعتقدوه، ويعملوا بمقتضاه، ويوقروه بما تقتضي مرتبته، كما أمرهم الله تعالى.

                                                                                                                              قال: وهذا الحديث دليل لتفضيله، صلى الله عليه وآله وسلم: على الخلق كلهم; لأن مذهب أهل السنة: أن الآدميين أفضل من [ ص: 489 ] الملائكة. وهو، صلى الله عليه وآله وسلم، أفضل الآدميين وغيرهم. انتهى.

                                                                                                                              ولفظ: "ولد آدم": يشمل جميع بني آدم، من الأنبياء وغيرهم.

                                                                                                                              فهو سيد الأنبياء كافة، وخاتمهم قاطبة.

                                                                                                                              قال: وأما الحديث الآخر: "لا تفضلوا بين الأنبياء" فجوابه من خمسة أوجه:

                                                                                                                              أحدها: أنه قاله قبل أن يعلم أنه سيدهم، فلما علم أخبر به.

                                                                                                                              والثاني: أنه قاله؛ أدبا وتواضعا.

                                                                                                                              والثالث: أن النهي إنما هو عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص المفضول.

                                                                                                                              الرابع: إنما نهى عن تفضيل يؤدي إلى الخصومة والفتنة; كما هو المشهور في سبب الحديث.

                                                                                                                              الخامس: أن النهي مختص بالتفضيل، في نفس النبوة. فلا تفاضل فيها. وإنما التفاضل بالخصائص، وفضائل أخرى. ولا بد من اعتقاد التفضيل. فقد قال تعالى: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض .

                                                                                                                              (وأول من ينشق عنه القبر) للبعث. أي: أول من عاد فيه الروح، عند النفخة الثانية. فلا يتقدم أحد عليه بعثا. قال المناوي: فهو من خصائصه.

                                                                                                                              [ ص: 490 ] وفي حديث آخر بإسناد فيه لين: "أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا" أي: أثيروا من قبورهم. قال الرافعي: هذا معنى حديث الباب.

                                                                                                                              (وأنا أول شافع) فلا يتقدمه شافع، لا بشر ولا ملك. (وأول مشفع) بشد الفاء المفتوحة. أي: مقبول الشفاعة، في جميع أقسام الشفاعة لله. ولم يكتف بقوله: "أول شافع"; لأنه قد يشفع الثاني فيشفع قبل الأول.

                                                                                                                              وأولياته، صلى الله عليه وآله وسلم: كثيرة جدا، تظاهرت بها الأحاديث:

                                                                                                                              منها: قوله، صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا أول من يقرع باب الجنة". وفي لفظ: "أنا أول من يدق باب الجنة".

                                                                                                                              وكذلك فضائله أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر. انظر كتاب "الشفاء" للقاضي عياض، و"المواهب اللدنية" للقسطلاني، وشروحهما؛ ففيهما مقنع وبلاغ.




                                                                                                                              الخدمات العلمية