الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ما حرره الطوفي في مسألة المصالح :

                          ( أقول ) : لم أر في كلام علماء المشارقة من أطنب في بحث المصالح مثل الإمام نجم الدين الطوفي الحنبلي المتوفى سنة 716 ولا في كلام علماء المغاربة مثل العلامة أبي إسحاق إبراهيم الشاطبي الأندلسي المتوفى سنة 790 .

                          أما الطوفي فإنه وفى الموضوع حقه في شرحه لحديث أبي سعيد الخدري من الأربعين النووية : " لا ضرر ولا ضرار " ( رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسندا ومالك مرسلا وحسنوه ) وقد قال هو وغيره : إنه يقتضي رعاية المصالح إثباتا ونفيا ، والمفاسد نفيا . ثم استدل على المسألة بعدة أدلة من الكتاب والسنة تفصيلية وإجمالية ، وبإجماع ما عدا الجامدين من الظاهرية ، وجعل مدار تعليل الأحكام الشرعية على هذه المسألة ، ودعم ذلك بالاستدلال عليها بالنظر العقلي ، ولم يكتف بهذا حتى جعل رعاية المصلحة مقدمة على النص والإجماع عند التعارض ، فقال : وإن خالفها وجب تقديم رعاية المصلحة عليهما بطريق التخصيص والبيان لهما ، لا بطريق الافتئات عليهما والتعطيل لهما .

                          وهذا الذي قرره الطوفي في رعاية المصلحة هو أدق وأوسع من القول بالمصالح المرسلة وأدلته أقوى ، وقد صرح هو بذلك فقال :

                          " واعلم أن هذه الطريقة التي قررناها مستفيدين لها من الحديث المذكور ليست هي القول بالمصالح المرسلة على ما ذهب إليه مالك ، بل هي أبلغ من ذلك ، وهي التعويل على النصوص والإجماع في العبادات والمقدرات وعلى اعتبار المصالح في المعاملات وباقي الأحكام " اهـ . ثم قال بعد بيان ذلك :

                          " وإنما اعتبرنا المصلحة في المعاملات ونحوها ، دون العبادات وشبهها; لأن العبادات حق للشارع خاص به ، ولا يمكن معرفة حقه كما وكيفا وزمانا ومكانا إلا من جهته ، فيأتي به العبد على ما رسم له ، ولأن غلام أحدنا لا يعد مطيعا خادما له إلا إذا امتثل ما رسم سيده وفعل ما يعلم أنه يرضيه ، فكذلك ههنا ، ولهذا لما تعبدت الفلاسفة بعقولهم ورفضوا [ ص: 163 ] الشرائع أسخطوا الله عز وجل وضلوا وأضلوا . وهذا بخلاف حقوق المكلفين ؛ فإن أحكامها سياسية شرعية وضعت لمصالحهم ، وكانت هي المعتبرة وعلى تحصيلها المعول .

                          " ولا يقال : إن الشرع أعلم بمصالحهم فلتؤخذ من أدلته لأنا نقول : قد قررنا أن المصلحة من أدلة الشرع وهي أقواها وأخصها فلنقدمها في تحصيل المصالح .

                          " ثم إن هذا إنما يقال في العبادات التي تخفى مصالحها عن مجاري العقول والعادات . وأما مصلحة سياسة المكلفين في حقوقهم فهي معلومة لهم بحكم العادة والعقل . فإذا رأينا الشرع متقاعدا عن إفادتها علمنا أنا أحلنا في تحصيلها على رعايتها " انتهى المراد منه هنا . ومن أراد الاطلاع على سياقه برمته فليرجع إلى المجلد التاسع من المنار ( ص 745 - 770 ) .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية