الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( حكمة كتابة مقادير الخلق ) .

                          روي عن الحسن أن حكمة كتابة الله تعالى لمقادير الخلق تنبيه المكلفين على عدم إهمال أحوالهم المشتملة على الثواب والعقاب ، حيث ذكر أن الورقة والحبة في الكتاب ، وزاد بعضهم حكمتين أخريين إحداهما : اعتبار الملائكة عليهم السلام موافقة المحدثات للمعلومات الإلهية ، والثانية : عدم تغير الموجودات عن الترتيب السابق في الكتاب . ولذا جاء " جف القلم بما [ ص: 398 ] هو كائن إلى يوم القيامة " - ذكر ذلك الألوسي ، وجعل قول الحسن هو الثاني في الترتيب ، والعبارة الأخيرة حديث من الأحاديث المشتهرة على الألسنة باللفظ الذي ذكره الألوسي ، ولا نعرفه مرويا بهذا اللفظ ، ولكن ورد في حديث عبد الله بن جعفر عند الطبراني " واعلم أن القلم قد جف بما هو كائن " وفي حديث أبي هريرة عند البخاري " جف القلم بما أنت لاق " وورد " جف القلم " " وجفت الأقلام " في أثناء أحاديث أخرى .

                          وهذا الذي قالوه في حكمة الكتابة ضعيف ، وحكمة الله البالغة فيه فوق ذلك ، ويتوقف تلمح شيء من جلالها وجمالها على تدبر النظام العام الذي قامت به السماوات والأرض والنظام الخاص بكل نوع من أنواع المخلوقات فيهما ، وعلى كون تلك النظم التي يعبر عنها في عرفنا بالسنن وبالأقدار الإلهية ، وفي عرف بعض علماء الدنيا بالنواميس أو القوى الطبيعية ، إنما ينفذها أصناف من الملائكة ، ذكر في الآية التي بعد هذه صنف الحفظة ورسل الموت منهم ، وورد في بعض التفسير المأثور أن ( والمرسلات عرفا 77 : 1 ) وما عطف عليها ( والنازعات غرقا 79 : 1 ) وما عطف عليها إلى قوله : ( فالمدبرات أمرا 79 : 5 ) أصناف منهم ، وهم الملائكة الموكلون بتدبير أمر الخلق من عند الله عز وجل ، ويؤيد ذلك ما جاء من أحاديث منها الصحاح والحسان والضعاف ، يدل مجموعها على أن الله تعالى قد وكل بكل نوع من أنواع الخلق ملائكة هم أرواح النظام له . فإذا كان الخالق العليم الحكيم قد جعل لكل شيء قدرا ، وجعل لكل شيء من أسباب المعايش كالرياح والأمطار وغيرها خزائن لا ينزلها إلا بقدر معلوم ، وإذا كان من حكمته أن جعل لهذا الملك العظيم الذي يدار بأعلى درجة من التقدير والتنظيم عرشا عظيما هو مصدر التدبير ، أفلا يكون من كمال الحكمة والإتقان أن يكون لذلك كتاب مبين هو مظهر ذلك النظام والتقدير ، كما يعهد للممالك المنظمة من كتب النظم والقوانين ؟ بلى ولله المثل الأعلى ، وإن لنا فيما نرى في خلقه من نظام وكمال وفي التكوين آيات على كمال علمه وحكمته ، ونفوذ إرادته وقدرته ، وفيما نرى من كسب البشر من نقص وعجز دلائل على تنزيهه عن مشابهة الخلق ، وعلى أن ملائكته أكمل من البشر في تنفيذ ما قدر وما أمر ( لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون 21 : 27 ) ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون 66 : 6 ) ونكتفي بهذا التلميح الآن ، فقد طال الكلام في تفسير هذه الآية كما طال في تفسير ما تقدم من هذا الجزء ، ولعلنا نعود إلى هذه المسألة .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية