الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أكرهه بوعيد القتل على أن يقتل أحد عبديه هذين ، وأحدهما أقل قيمة من الآخر ، فقتل أحدهما عمدا كان له أن يقتل المكره لتحقق الإلجاء هنا فيما أقدم عليه من القتل ، فحكم القتل في العبد الذي هو قليل القيمة كهو في كثير القيمة ، واذا تحقق الإلجاء صار القتل منسوبا إلى المكره بخلاف الأول ، فإنه لا مساواة بين استهلاك المال ، والقتل ، وإنما يتحقق الإلجاء في الأدنى والأدنى استهلاك المال الذي يباح له الإقدام عليه عند الضرورة ، فبقي في قتل العبد مباشرا للفعل مختارا ، وهنا حرمة نفس العبدين سواء ، فيتحقق الإلجاء في حق كل واحد منهما ، وكذلك لو أكرهه بوعيد القتل على أن يقطع يد نفسه ، أو يقتل عبده عمدا ، ففعل أحدهما كان له أن يقتص من المكره ; لأن الإلجاء تناول كل واحد منهما بمنزلة ما لو أكره عليه بعينه ، فإن قيل : لا كذلك ، فإنه يباح له الإقدام على قطع يد نفسه عند الإكراه ، ولا يباح له الإقدام على قتل عبده ، فينبغي أن يجعل هذا نظير الفصل الأول قلنا لا كذلك ، فالأطراف محترمة كالنفوس إلا أنه إذا أكره على قطع يد نفسه ، فباعتبار مقابلة طرفه بنفسه جوزنا له أن يختار أدنى الضررين وهذا المعنى لا يتحقق عند مقابلة طرفه بنفس عبده فالضرر عليه في قطع طرفه ، فوق الضرر في قتل عبده .

( ألا ترى ) أنه لو خاف على عبده الهلاك لا يحل له أن يقطع يد نفسه ليتناوله العبد ، فبهذا تبين أن المساواة بينهما في الحرمة عند مقابلة أحدهما بالآخر ، فيتناول الإكراه كل واحد منهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية