الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        وأما البراءة منه :

                        ففي قوله : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) .

                        [ ص: 172 ] وفي الحديث : أنا بريء منهم وهم براء مني . وقال ابن عمر رضي الله عنه في أهل القدر : " إذا لقيت أولئك; فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني " .

                        وجاء عن الحسن : " لا تجالس صاحب بدعة ; فإنه يمرض قلبك " .

                        وعن سفيان الثوري : " من جالس صاحب بدعة; لم يسلم من إحدى ثلاث : إما أن يكون فتنة لغيره ، وإما أن يقع بقلبه شيء يزل به فيدخله النار ، وإما أن يقول : والله لا أبالي ما تكلموا به ، وإني واثق بنفسي ، فمن أمن الله طرفة عين على دينه; سلبه إياه " .

                        وعن يحيى بن أبي كثير ; قال : " إذا لقيت صاحب بدعة في طريق; فخذ في طريق آخر " . وعن أبي قلابة ; قال : " لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم; فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم ، ويلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون " . وعن إبراهيم ; قال : " لا تجالسوا أصحاب الأهواء ، ولا تكلموهم; فإني أخاف أن ترتد قلوبكم " ، والآثار في ذلك كثيرة .

                        ويعضدها ما روي عنه عليه السلام أنه قال : المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل .

                        ووجه ذلك ظاهر منبه عليه في كلام أبي قلابة ، إذ قد يكون المرء [ ص: 173 ] على يقين من أمر من أمور السنة ، فيلقي له صاحب الهوى فيه هوى مما يحتمله اللفظ لا أصل له ، أو يزيد له فيه قيدا من رأيه ، فيقبله قلبه ، فإذا رجع إلى ما كان يعرفه; وجده مظلما; فإما أن يشعر به; فيرده بالعلم ، أو لا يقدر على رده ، وإما أن لا يشعر به; فيمضي مع من هلك .

                        قال ابن وهب : " وسمعت مالكا إذ جاءه بعض أهل الأهواء يقول : أما أنا; فعلى بينة من ربي ، وأما أنت فشاك ، فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه ، ثم قرأ : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة )

                        . فهذا شأن من تقدم من عدم تمكين زائغ القلب أن يسمع كلامه .

                        ومثل رده بالعلم : جوابه لمن سأله في قوله : ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟ فقال له : " الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ، وأراك صاحب بدعة " ، ثم أمر بإخراج السائل .

                        ومثل ما لا يقدر على رده : ما حكى الباجي ; قال : قال مالك : " كان يقال : لا تمكن زائغ القلب من أذنك ، فإنك لا تدري ما يعلقك من ذلك " .

                        ولقد سمع رجل من الأنصار من أهل المدينة شيئا من بعض أهل القدر ، فعلق قلبه ، فكان يأتي إخوانه الذين يستنصحهم ، فإذا نهوه; قال : " فكيف بما علق قلبي لو علمت أن الله يرضى أن ألقي نفسي من فوق هذه المنارة; فعلت " .

                        ثم حكي أيضا عن مالك أنه قال : " لا تجالس القدري ولا تكلمه; [ ص: 174 ] إلا أن تجلس إليه ، فتغلظ عليه ، لقوله : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) ، فلا توادوهم " .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية