الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 430 ] الفصل الرابع : إذا كان يخاف على نفسه أو ماله في طلبه بأن يكون بينه وبين الماء عدو أو سبع يخاف أنه إن طلبه انقطع عن رفقته أو ضياع أهله أو ماله أو شرود دوابه ، جاز له التيمم إذا كان للخوف سبب مظنون ، وإن لم يعلم وجوده ، " فأما إن كان جنبا لزمه الوضوء " " ولو " رأى سوادا فظنه عدوا أو سبعا فتيمم وصلى ثم تبين بخلافه ، فلا إعادة في أقوى الوجهين لكثرة البلوى بذلك ، بخلاف صلاة الخوف فإن لم ( ير ) شيئا وقد دله على الماء ثقة لزمه طلبه ، قولا واحدا ، كما لو تيقنه ؛ لأن الماء غلب هنا الظن وجوده ، ثم لا يخلو إما أن يكون المكان قريبا أو بعيدا أو على التقديرين ، فأما أن يمكنه الوضوء منه والصلاة في الوقت وقت الاختيار ، أو يخاف إن طلبه أن يفوت الوقت ، فأما إن كان قريبا ويمكنه الصلاة به في الوقت لزمه قصده قولا واحدا ، وإن كان بعيدا يخشى إن طلبه يفوت الوقت لم يجب عليه طلبه ، ولم يجز له تأخير الصلاة حتى تفوت ، قولا واحدا ، وإن كان بعيدا لا يمكنه الصلاة به في الوقت من غير ضرر ولا مشقة كثيرة بأن يكون في طريقه أو مقصده ، وجب قصده أيضا في إحدى الروايتين ؛ لأنه قادر على تأدية فرضه بالماء في الوقت من غير ضرر ، فأشبه القريب .

والرواية الثانية : لا يجب قصده ولا تأخير الصلاة بل يصلي بالتيمم ، هذا هو المشهور في المذهب ، لما احتج به الإمام أحمد عن ابن عمر " أنه تيمم على رأس ميل أو ميلين من المدينة فصلى العصر فقدم والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة " .

[ ص: 431 ] وعنه أيضا " أنه تيمم بمربد النعم وهو على ثلاثة أميال من المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد " رواهما الدارقطني ، ورواه مرفوعا أيضا ، ولأنه به حاجة إلى تعجيل الصلاة في أول الوقت لبراءة ذمته فلم يجب عليه تأخيرها ، وطرد ذلك أن يقال فيمن عجز عن بعض الشرائط والأركان في أول الوقت وعلم أنه يقدر عليه في آخره ، أن له أن يصلي بحسب حاله ، ولأن سبب الرخصة قائم في الحال فيثبت به وإن تيقن زواله في ( الحال ) كالقصر في سفر يعلم أنه يقدم منه قبل خروج الوقت .

وإن كان الماء قريبا يخاف فوت الوقت إن قصده أو تشاغل بالوضوء ، أو كان الواردون عليه كثيرا لا تنتهي إليه النوبة حتى يخرج الوقت ، أو كان في بئر إن اشتغل بالاستقاء ونحوه خرج الوقت - تيمم في أحد الوجهين ؛ لأن فرضه كان هو التيمم ولم يجد الماء على وجه يمكنه الصلاة به في الوقت فاستمر حكم العدم في حقه كما لو علم أنه لا يجده إلا بعد خروج الوقت ، وإن كان الوضوء في الوقت لا أثر له لأن الوقت للصلاة .

والوجه الثاني : يشتغل بأسباب الوضوء وإن فات الوقت كما لو كان في الحضر ، وإذا خشي دخول وقت الضرورة فهو كما لو خشي خروج الوقت بالكلية ؛ لأنه لا يجوز التأخير إليه إلا لعذر ، فإن أمكنه الوضوء في الوقت فأخر ذلك عمدا حتى خشي الفوات فهو كالحاضر لأن فرضه كان هو الوضوء ، وهل حد القريب [ ص: 432 ] الذي يجب قصد مائه ما يتردد المسافر إليه للرعي أو للاحتكار عادة ، أو الفرسخ فما دونه كالجمعة ، أو الميل فما دونه ؟ على ثلاثة أوجه .



التالي السابق


الخدمات العلمية