الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 124 ] فإن قيل: إبطال حوادث لا أول لها قد دل عليه قوله تعالى: وكل شيء عنده بمقدار [الرعد: 8]، وقوله: وأحصى كل شيء عددا [الجن: 28]، كما ذكر ذلك طائفة من النظار، فإن ما لا ابتداء له ليس له كل، وقد أخبر أنه أحصى كل شيء عددا.

قيل: هذا لو كان حقا لكان دلالة خفية لا يصلح أن يحال عليها، كنفي ما دل على الصفات، فإن تلك نصوص كثيرة جلية، وهذا - لو قدر أنه دليل صحيح - فإنه يحتاج إلى مقدمات كثيرة خفية لو كانت حقا، مثل أن يقال: هذا يستلزم بطلان حوادث لا أول لها، وذلك يستلزم حدوث الجسم؛ لأن الجسم لو كان قديما للزم حوادث لا بداية لها، لأن الجسم يستلزم الحوادث، فلا يخلو منها لاستلزامه الأكوان أو الحركات أو الأعراض، ثم يقال بعد هذا: وإثبات الصفات يستلزم كون الموصوف جسما.

وهذه المقدمة تناقض فيها عامة من قالها كما سنبينه إن شاء الله تعالى، فكيف وقوله: وأحصى كل شيء عددا لا يدل على ذلك؟ فإنه سبحانه قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وقال: وكل شيء أحصيناه في إمام مبين [يس: 12] فقد أحصى وكتب ما يكون قبل أن يكون إلى أجل محدود، فقد أحصى المستقبل المعدوم، كما أحصى الماضي الذي وجد، ثم عدم. [ ص: 125 ]

ولفظ الإحصاء لا يفرق بين هذا وبين هذا، فإن كان الإحصاء يتناول ما لا يتناهى جملة فلا حجة في الآية، وإن قيل: بل أحصى المستقبل، تقديره: جملة بعد جملة، لم يكن في الآية حجة، فإنه يمكن أن يقال في الماضي كذلك.

ومسألة تناول العلم لما لا يتناهى مسألة مشكلة على القولين، ليس الغرض هنا إنهاء القول فيها، بل المقصود أن مثل هذه الآية لم يرد الله بها إبطال دوام كونه لم يزل متكلما بمشيئته وقدرته

التالي السابق


الخدمات العلمية