الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والناس إذا تنازعوا في المعقول لم يكن قول طائفة لها مذهب حجة على أخرى، بل يرجع في ذلك إلى الفطر السليمة التي لم تتغير باعتقاد يغير فطرتها ولا هوى، فامتنع حينئذ أن يعتمد على ما يعارض الكتاب من الأقوال التي يسمونها معقولات، [ ص: 169 ] وإن كان ذلك قد قالته طائفة كبيرة، لمخالفة طائفة كبيرة لها، ولم يبق إلا أن يقال: إن كل إنسان له عقل فيعتمد على عقل نفسه، وما وجده معارضا لأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم من رأيه خالفه، وقدم رأيه على نصوص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ومعلوم أن هذا أكثر ضلالا واضطرابا.

فإذا كان فحول النظر وأساطين الفلسفة الذين بلغوا في الذكاء والنظر إلى الغاية، وهم ليلهم ونهارهم يكدحون في معرفة هذه العقليات، ثم لم يصلوا فيها إلى معقول صريح يناقض الكتاب، بل إما إلى حيرة وارتياب، وإما إلى اختلاف بين الأحزاب، فكيف غير هؤلاء ممن لم يبلغ مبلغهم في الذهن والذكاء ومعرفة ما سلكوه من العقليات؟!

فهذا وأمثاله مما يبين أن من أعرض عن الكتاب وعارضه بما يناقضه، لم يعارضه إلا بما هو جهل بسيط أو جهل مركب؛ فالأول كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب [النور: 39]، والثاني كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور [النور: 40] وأصحاب القرآن والإيمان في نور على نور، قال تعالى: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور [الشورى: 52-53]، وقال تعالى: الله نور السماوات والأرض مثل نوره ـ إلى آخر الآية، [ ص: 170 ] [النور: 35] وقال تعالى: فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون [الأعراف: 157] .

فأهل الجهل البسيط منهم أهل الشك والحيرة من هؤلاء المعارضين للكتاب المعرضين عنه، وأهل الجهل المركب أرباب الاعتقادات الباطلة التي يزعمون أنها عقليات.

وآخرون ممن يعارضهم يقول: المناقض لتلك الأقوال هو العقليات.

ومعلوم أنه حينئذ يجب فساد أحد الاعتقادين أو كليهما، والغالب فساد كلا الاعتقادين، لما فيهما من الإجمال والاشتباه، وأن الحق يكون فيه تفصيل يبين أن مع هؤلاء حقا وباطلا، ومع هؤلاء حقا وباطلا، والحق الذي مع كل منهما هو الذي جاء به الكتاب الذي يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية