الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمقصود هنا كان مسائل الحضانة، وأن الذين اعتقدوا أن الأم قدمت لتقدم قرابة الأم لما كان أصلهم ضعيفا كانت فروعهم اللازمة للأصل الضعيف ضعيفة، وفساد اللازم يستلزم فساد الملزوم. بل الصواب بلا ريب أنها قدمت لكونها أنثى، فتكون المرأة أحق بحضانة الصغير من الرجل، فتقدم الأم على الأب، والجدة على الجد، والأخت على الأخ، والخالة على الخال، والعمة على العم. وأما إذا اجتمع امرأة بعيدة ورجل قريب، فهذا لبسطه موضع آخر، إذ المقصود هنا ذكر مسألة الصغير المميز، والفرق بين الصبية والصبي.

فتخيير الصبي الذي وردت به السنة أولى من تعيين أحد الأبوين له، ولهذا كان تعيين الأب كما قال مالك وأحمد في رواية، والتخيير تخيير شهوة. ولهذا قالوا: إذا اختار الأب مدة ثم اختار الأم فله ذلك. حتى قالوا: متى اختار أحدهما ثم اختار الآخر نقل إليه، وكذلك إن اختار ابتداء. وهذا قول القائلين بالتخيير: الحسن بن صالح والشافعي وأحمد بن حنبل. وقالوا: إذا اختار الأم كان عندها ليلا، [ ص: 417 ] وأما بالنهار فيكون عند الأب ليعلمه ويؤدبه. هذا مذهب الشافعي وأحمد، وكذلك قال مالك، وهو يقول: يكون عندها بلا تخيير، للأب تعاهده عندها وأدبه وبعثه إلى المكتب، ولا يبيت إلا عند الأم.

قال أصحاب الشافعي وأحمد: وإن اختار الأب كان عنده ليلا ونهارا، ولم يمنع من زيارة أمه، ولا تمنع الأم من تمريضه إذا اعتل.

فأما البنت إذا خيرت -فكانت عند الأم تارة وعند الأب تارة- أفضى ذلك إلى كثرة مرورها وتبرجها وانتقالها من مكان إلى مكان، ولا يبقى الأب موكلا بحفظها ولا الأم موكلة بحفظها، وقد عرف بالعادة أن ما تناوب الناس على حفظه ضاع. ومن الأمثال السائرة: لا تصلح القدر بين طباختين.

وأيضا فاختيار أحدهما يضعف رغبة الآخر في الإحسان والصيانة، فلا يبقى الأب تام الرغبة في حفظها، ولا الأم تامة الرغبة في حفظها. وليس الذكر كالأنثى، كما قالت امرأة عمران: رب إني نذرت لك ما في بطني محررا إلى قوله: فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا إلى قوله: وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم . فهذه مريم احتاجت إلى من يكفلها ويحضنها، حتى اقترعوا على كفالتها، فكيف بمن سواها من النساء؟

وهذا أمر يعرف بالتجربة: أن المرأة تحتاج من الحفظ والصيانة إلى ما لا يحتاج إليه الصبي، وكل ما كان أستر لها وأصون كان أصلح لها. [ ص: 418 ]

ولهذا كان لباسها المشروع لباسا لما يسترها، ولعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من يلبس منهن لباس الرجال ، وقال لأم سلمة في عصابتها: "لية لا ليتين"، رواه أبو داود وغيره . وقال في الحديث الصحيح : "صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، على رؤوسهن مثل أسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها؛ ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها عباد الله".

التالي السابق


الخدمات العلمية