الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما زيارة قبور المؤمنين من الأنبياء والصالحين وغيرهم فإنها من جنس الصلاة على جنائزهم، قال الله تعالى في المنافقين: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ، فنهى نبيه عن الصلاة على المنافقين وعن القيام على قبورهم لأجل أنهم كفار، وكان ذلك دليلا على أن المؤمنين يصلى عليهم ويقام على قبورهم. وهذه كانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في [ ص: 35 ] المؤمنين، فإن الصلاة على المسلمين مشروعة بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتواترة بإجماع المؤمنين، وهي فرض على الكفاية. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى على جنازة فله قيراط، ومن اتبعها حتى يدفن فله قيراطان أدناهما مثل أحد" .

وكذلك بعد الدفن يستحب أن يزار فيسلم عليه ويدعى له بالمغفرة والرحمة ونحو ذلك. ويستحب حين الدفن أن يدعى له أيضا، كما ثبت في سنن أبي داود عن عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا دفن الميت أصحابه: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل". أي اسألوا له أن يثبته الله بالقول الثابت، كما قال تعالى: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر حين يسأل الميت: من ربك وما دينك ومن نبيك؟

وأما بعد الدفن، فكما ثبت في الصحيح وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: "سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم" . [ ص: 36 ]

وثبت أيضا في الصحيح أنه كان يخرج إلى أهل البقيع، فيدعو لهم ويستغفر لهم . وثبت أيضا في الصحيح أنه خرج إلى شهداء أحد قبل موته، فصلى عليهم ودعا لهم .

فهذان أمران مشروعان: السلام على الميت والدعاء له. وقد قال ابن عبد البر : ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام" .

وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام".

وفيه أيضا أنه قال: "أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي "، فقالوا: كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء" .

التالي السابق


الخدمات العلمية