الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الاجتماع يوم الثالث والسابع وتمام الشهر والحول ونحو ذلك على ما ذكره فهو بدعة مكروهة من وجوه، أحدها: أن إنشاد الشعر الفراقي في المأتم من النياحة، وكذلك كل ما فيه تهييج المصيبة، وكذلك الذين يتسمون الوعاظ، وإنما هم نواحون. وإذا كان النساء قد نهين عن ذلك مع ضعف قلوبهن فكيف بالرجال؟ مع أن النساء يباح لهن من الغناء وضرب الدف ما لا يباح للرجال، ألا ترى أنه رخص فيما لا يمكن دفعه من دمع العين وحزن القلب، والنساء نهين عن الأسباب المهيجة للنياحة من اتباع الجنائز وزيارة القبور سدا للذريعة، بخلاف الرجال، فإنهم لقوة قلوبهم لم ينهوا عن ذلك. [ ص: 136 ]

فتبين أن الرجال أحق بالنهي عن النياحة، لأنهم أقل عذرا في ذلك من النساء، فهو بمنزلة من ينوح في المصيبة الصغيرة، فهو أحق ممن ناح في مصيبة كبيرة. وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة". وقال : "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب".

والبكاء المرخص فيه هو ما كان من دمع العين وحزن القلب، ومع ذلك فلا يصلح استدعاؤه حزنا، بخلاف البكاء للرحمة، وما كان من اللسان واليد فمنهي عنه، فكيف بالإعانة عليه؟! ففي الصحيحين عن ابن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غاشية -وفي لفظ مسلم: في غشية- فقال: "قد قضى؟ " قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى القوم بكاءه بكوا، فقال: "ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم".

وعن ابن عباس قال: لما ماتت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكت النساء، فجعل عمر يضربهن بسوطه ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده [ ص: 137 ] فقال: "مهلا يا عمر"، ثم قال: "إياكن ونعيق الشيطان"، ثم قال؟ "مهما كان من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان" .

وعن جابر بن عبد الله قال: أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد عبد الرحمن بن عوف، فانطلق به إلى ابنه إبراهيم، فوجده يجود بنفسه، فأخذه - صلى الله عليه وسلم - فوضعه في حجره، فبكى، فقال له عبد الرحمن: أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: "لا، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة". رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وذكر غيره تمام الحديث: "وصوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان".

وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية".

التالي السابق


الخدمات العلمية