الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الرابع : أن يكون فيهم محلل ، ومال المسابقة قد يخرجه المتسابقان ، أو أحدهما أو غيرهما .

                                                                                                                                                                        الحالة الأولى : أن يخرجه غيرهما ، فيجوز للإمام أن يخرج المال من خاص نفسه ومن بيت المال ، لما فيه من التحريض على تعلم الفروسية ، وإعداد أسباب القتال ، ويجوز للواحد من الرعية إخراجه من مال نفسه ، لأنه بذل مال في طاعة ، ويثاب عليه إذا نوى ، وسواء تسابق اثنان أو أكثر ، ومن سبق ، أخذ المال .

                                                                                                                                                                        الحالة الثانية : أن يخرجه أحدهما ، ويشرطانه إن سبق أحرزه ولا شيء له على الآخر ، وإن سبق الآخر ، أخذه ، فيجوز ، ولو تسابق أكثر من اثنين ، وأخرجه اثنان فصاعدا ، وشرطوا أن من سبق من المخرجين لم يحرز إلا ما أخرجه ، ومن سبق من غيرهم ، أخذ ما أخرجه المخرجون ، جاز أيضا .

                                                                                                                                                                        الثالثة : أن يخرجه المتسابقان ، فيقول كل واحد : إن سبقتك ، فلي [ ص: 355 ] عليك كذا ، وإن سبقتني ، فلك علي كذا ، فهذا لا يجوز ، لأنه صورة قمار إلا أن يدخلا بينهما محللا وهو ثالث يشاركهما في المسابقة على أنه إن سبق أخذ ما شرطاه ، وإن سبق ، فلا شيء عليه ، فيجوز لأنه يخرج عن صورة القمار ، ثم إن شرطا أن يختص المحلل بالاستحقاق ، وإن سبق أحدهما كل واحد منهما لا يأخذ إلا ما أخرج ، فهذا جائز بالاتفاق ، وإن شرطا أن المحلل يأخذ السبقين وإن سبق أحدهما أحدهما ، جاز على الصحيح المنصوص ، ومنعه ابن خيران ، فإذا قلنا بالمنصوص وكان المتسابقون مائة مثلا ، وليس فيهم إلا محلل واحد ، وشرط أن يأخذ جميع ما أخرجوه إن سبق ولا يغرم إن سبق ، وكل واحد من المتسابقين إن سبق ، غنم ، وإن سبق ، غرم ، صح العقد والشرط ، قال الإمام : وهنا أصل آخر وهو أنهما إذا أطلقا شرط المال للسابق ، فهل اللفظ للسابق المطلق ، أم يتناول من سبق غيره وإن كان مسبوقا لغيره ؟ فيه وجهان ، الصحيح : الأول ، ويترتب على الأصلين الحكم في صور مجيء المتسابقين ، فإذا تسابق اثنان ومحلل ، نظر إن جاء المحلل ثم أحدهما ثم الفسكل ، فللمحلل ما أخرجه الآتي بعده بلا خلاف ، وفيما أخرجه الفسكل ثلاثة أوجه ، أصحها : أنه للمحلل أيضا لأنه السابق المطلق ، والثاني : أنه له وللآتي بعده ، لأنهما سبقا الفسكل ، والثالث : هو للآتي بعده وحده ، ولو سبق المحلل ثم جاءا معا ، فله السبقان بلا خلاف ، ولو سبق المحلل مع أحدهما ، فالذي سبق مع المحلل يحرز ما أخرجه وأما ما أخرجه الآخر ، فهو له ، وللمحلل على الصحيح المنصوص ، وعند ابن خيران للمحلل خاصة ، ولو سبق أحدهما ، ثم جاء الثاني مع المحلل ، أو جاء الثاني ، ثم المحلل ، أحرز السابق ما أخرجه وله أيضا ما أخرجه الآخر على المنصوص ، وعند ابن خيران لا يأخذه ، ولا شيء للمحلل على المذهبين ، ولو سبق أحدهما ، ثم جاء المحلل ، ثم الآخر ، أحرز السابق ما أخرجه الآخر ، فإن قلنا بالمنصوص ، ففيه أوجه ، [ ص: 356 ] أصحها : أنه للسابق أيضا ، والثاني : أنه له وللمحلل معا ، لأنهما سبقا الآخر ، والثالث : أنه للمحلل وليس بشيء ، وإن قلنا بقول ابن خيران ، فهل هو للمحلل ، أم يحرزه مخرجه ، ولا يستحقه المحلل ولا السابق ؟ وجهان ، ولو سبقا معا ، ثم جاء المحلل ، أو جاء الثلاثة معا ، لم يأخذ واحد منهم من غيره شيئا ، ويجوز أن يدخلا بينهما محللين وأكثر ، فإذا تسابق اثنان ومحللان ، فسبق أحد المحللين ، ثم جاء أحد المتسابقين ، ثم المحلل الثاني ، ثم المتسابق الثاني ، فما أخرجه المتسابق الأول ، فللمحلل الأول ، وأما ما أخرجه الآخر ، فإن قلنا بالمنصوص ، فهو للمحلل الأول أيضا على الصحيح ، لأنه السابق المطلق ، وقيل : هو للمحللين والمتسابق الأول ، لأنهم جميعا سبقوا الثاني ، وقياس الوجه الضعيف أنه للمحلل الثاني ، وإن قلنا بقول ابن خيران ، فهو للمحلل الأول ، وقيل : للمحللين ، ولو جاء أولا أحد المتسابقين ، ثم أحد المحللين ثم المحلل الثاني ، أحرز الأول ما أخرجه ، وأما ما أخرجه الآخر ، فإن قلنا بالمنصوص ، فهو للمتسابق الأول على الصحيح ، وقيل : له وللمحلل الأول ، وعلى الوجه الضعيف : هو للمحلل الأول ، وعلى قول ابن خيران : هو للمحلل الأول لا غير .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية