الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم فجاوز بها ذلك المكان ، ثم رجع فعطبت الدابة فلا ضمان عليه في قول أبي حنيفة الأول رحمه الله ، ثم رجع فقال : هو ضامن ما لم يدفعها إلى صاحبها وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وجه قوله الأول أنه كان أمينا فيها فإذا ضمن بالخلاف ، ثم عاد إلى الوفاق عاد أمينا كالمودع وجه قوله الآخر أنه بعد ما صار ضامنا بالخلاف لا يبرأ إلا بالرد على المالك أو على من قامت يده مقام يد المالك ويد المستأجر يد نفسه ; لأنه يمسكها لمنفعة نفسه كالمستعير فلا تكون يده قائمة مقام يد المالك فلا تبرأ عن الضمان ، وإن عاد إلى ذلك المكان ; لأنه ينتفع بها لنفسه في ذلك المكان بخلاف المودع فهناك يده قائمة مقام يد المالك وقد طعن عيسى رحمه الله في هذا فقال : يد المستأجر كيد المالك بدليل أنه يرجع بما يلحقه من الضمان على المالك كالمودع بخلاف المستعير وبدليل أن مؤنة الرد على المالك في الإجارة دون العارية ولكنا نقول : رجوعه بالضمان للغرر المتمكن بسبب عقد المعاوضة ، وذلك لا يدل على أن يده ليست بيد نفسه كالمشتري يرجع بضمان الغرور ، فكذلك مؤنة الرد عليه لما له من المنفعة في النقل

فأما يد المستأجر يد نفسه والإشكال على هذا الكلام ما تقدم أن المرأة إذا استأجرت [ ص: 174 ] ثوب صيانة لتلبسه أياما فلبسته بالليل كانت ضامنة ، ثم إذا جاء النهار برئت من الضمان ويدها يد نفسها ولكنا نقول هناك الضمان عليها باللبس لا بالإمساك ; لأن له حق الإمساك ليلا ونهارا واللبس الذي لم يتناوله العقد لم يبق إذا جاء النهار وهنا الضمان على المستأجر بالإمساك في غير المكان المشروط .

( ألا ترى ) أنه لو جاوز بها ذلك المكان ولم يركبها كان ضامنا ولو حبسها في المصر أياما ولم يركبها كان ضامنا والإمساك لا ينعدم ، وإن عاد إلى ذلك المكان ما دام يمسكها لمنفعة نفسه ، ثم الكلام في التفصيل بينما إذا استأجرها ذاهبا وجائيا أو ذاهبا لا جائيا قد تقدم في العارية فهو مثله في الإجارة ولو لم يجاوز المكان ولكنه ضربها في السير أو كبحها باللجام فعطبت فهو ضامن إلا أن يأذن له صاحبها في ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يستحسن أن لا يضمنه إذا لم يتعد في ذلك وضرب كما يضرب الناس الحمار في موضعه ; لأنه بمطلق العقد يستفيد الإذن فيما هو معتاد والضرب والكبح باللجام في السير معتاد وربما لا تنقاد الدابة إلا به فيكون الإذن فيه ثابتا بالعرف ولو أذن فيه نصا لم يضمن المستأجر به ، فكذلك إذا كان متعارفا والقياس ما قاله أبو حنيفة رحمه الله ; لأنه ضربها بغير إذن مالكها ، وذلك تعد موجب للضمان وبيان أن المستحق له بالعقد سير الدابة لا صفة الجودة فيه وهو لا يحتاج إلى الضرب والكبح في أصل تسيير الدابة وإنما يستخرج بذلك منها نهاية السير والجودة في ذلك وثبوت الإذن بمقتضى العقد فيفتقر على المستحق بالعقد توضيحه أنه ، وإن أبيح له الضرب فإنما أبيح لمنفعة نفسه فإن حق المالك في الآخر يتقرر بدونه ومثله يقيد بشرط السلامة كتعزير الزوج زوجته ورمي الرجل إلى الصيد ومشيه في الطريق مباح شرعا ، ثم يتقيد بشرط السلامة بخلاف ما إذا أذن له المالك فيها نصا فإن بعد الإذن فعله كفعل المالك .

التالي السابق


الخدمات العلمية