الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قتل قطري بن الفجاءة وعبيدة بن هلال

قيل : وفي هذه السنة كانت هلكة قطري وعبيدة بن هلال ومن [ كان ] معهما من الأزارقة .

وكان السبب في ذلك أن أمرهم لما تشتت بالاختلاف الذي ذكرنا ، وسار قطري نحو طبرستان ، وبلغ خبره الحجاج - سير إليه سفيان بن الأبرد في جيش عظيم . وسار سفيان واجتمع معه إسحاق بن محمد بن الأشعث في جيش لأهل الكوفة بطبرستان ، فأقبلوا في طلب قطري ، فلحقوه في شعب من شعاب طبرستان فقاتلوه ، فتفرق عنه أصحابه ووقع عن دابته ، فتدهده إلى أسفل الشعب ، وأتاه علج من أهل البلد ، فقال له قطري : اسقني الماء . فقال العلج : أعطني شيئا . فقال : ما معي إلا سلاحي ، وأنا أعطيكه إذا أتيتني بالماء . فانطلق العلج حتى أشرف على قطري ، ثم حدر عليه حجرا من فوقه ، فأصاب وركه فأوهنه ، فصاح بالناس ، فأقبلوا نحوه ، ولم يعرفه العلج ، غير أنه يظن أنه من أشرافهم لكمال سلاحه وحسن هيئته ، فجاء إليه نفر من أهل الكوفة فقتلوه ، منهم : سورة بن الحر التميمي ، وجعفر بن عبد الرحمن بن مخنف ، والصباح بن محمد بن الأشعث ، وباذان مولاهم ، وعمر بن أبي الصلت ، وكل هؤلاء ادعى قتله .

[ ص: 472 ] فجاء إليهم أبو الجهم بن كنانة فقال لهم : ادفعوا رأسه إلي حتى تصطلحوا ، فدفعوه إليه ، فأقبل به إلى إسحاق بن محمد وهو على الكوفة ، فأرسله معه إلى سفيان ، فسير سفيان الرأس مع أبي الجهم إلى الحجاج ، فسيره الحجاج إلى عبد الملك ، فجعل عطاءه في ألفين .

ثم إن سفيان سار إليهم فأحاط بهم ، ثم أمر مناديه فنادى : من قتل صاحبه وجاء إلينا فهو آمن . فقال عبيدة بن هلال في ذلك :

لعمري لقد قام الأصم بخطبة لذي الشك منها في الصدور غليل     لعمري لئن أعطيت سفيان بيعتي
وفارقت ديني إنني لجهول     إلى الله أشكو ما ترى بجيادنا
تساوك هزلى مخهن قليل     تعاورها القذاف من كل جانب
بقومس حتى صعبهن ذلول     فإن يك أفناها الحصار فربما
تشحط فيما بينهن قتيل     وقد كن مما إن يقدن على الوجى
لهن بأبواب القباب صهيل



وحصرهم سفيان حتى أكلوا دوابهم ، ثم خرجوا إليه فقاتلوه ، فقتلهم وبعث برءوسهم إلى الحجاج . ثم دخل سفيان دنباوند وطبرستان ، فكان هناك حتى عزله الحجاج قبل الجماجم .

وقال بعض العلماء : وانقرضت الأزارقة بعد مقتل قطري وعبيدة ، إنما كانوا دفعة متصلة أهل عسكر واحد ، وأول رؤسائهم نافع بن الأزرق ، وآخرهم قطري وعبيدة ، واتصل أمرهم بضعا وعشرين سنة ، إلا أني أشك في صبيح المازني التميمي مولى سوار بن الأشعر الخارج أيام هشام ، قيل : هو من الأزارقة أو الصفرية ، إلا أنه لم تطل أيامه ، بل قتل عقيب خروجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية