الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر إرادة معاوية نقل المنبر من المدينة

وفي هذه السنة أمر معاوية بمنبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحمل من المدينة إلى الشام ، وقال : لا يترك هو وعصا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بالمدينة وهم قتلة عثمان ، وطلب العصا ، وهو عند سعد القرظ ، فحرك المنبر فكسفت الشمس حتى رؤيت النجوم بادية ، فأعظم الناس ذلك ، فتركه . وقيل أتاه جابر وأبو هريرة وقالا له : يا أمير المؤمنين لا يصلح أن تخرج منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من موضع وضعه ، ولا تنقل عصاه إلى الشام ، فانقل المسجد ، فتركه ، وزاد فيه ست درجات واعتذر مما صنع .

فلما ولي عبد الملك بن مروان هم بالمنبر ، فقال له قبيصة بن ذؤيب : أذكرك الله أن تفعل ! إن معاوية حركه فكسفت الشمس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من حلف على منبري [ آثما ] فليتبوأ مقعده من النار ، فتخرجه من المدينة وهو مقطع الحقوق عندهم بالمدينة ! فتركه عبد الملك .

فلما كان الوليد ابنه وحج هم بذلك ، فأرسل سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبد [ ص: 62 ] العزيز فقال : كلم صاحبك لا يتعرض للمسجد ولا لله والسخط له ، فكلمه عمر فتركه .

ولما حج سليمان بن عبد الملك أخبره عمر بما كان من الوليد ، فقال سليمان : ما كنت أحب أن يذكر عن أمير المؤمنين عبد الملك هذا ولا عن الوليد ، ما لنا ولهذا ! أخذنا الدنيا فهي في أيدينا ونريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام يوفد إليه فنحمله إلى ما قبلنا ! هذا ما لا يصلح !

وفيها عزل معاوية بن حديج السكوني عن مصر ووليها مسلمة بن مخلد مع إفريقية ، وكان معاوية بن أبي سفيان بعث قبل أن يولي مسلمة إفريقية ومصر عقبة بن نافع إلى إفريقية ، وكان اختط قيروانها ، وكان موضعه غيضة لا ترام من السباع والحيات وغيرها ، فدعا الله عليها فلم يبق منها شيء إلا خرج هاربا حتى إن كانت السباع لتحمل أولادها ، وبنى الجامع . فلما عزل معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج السكوني عن مصر عزل عقبة عن إفريقية وجمعها لمسلمة بن مخلد ، فهو أول من جمع له المغرب مع مصر ، فولى مسلمة إفريقية مولى له يقال له أبو المهاجر ، فلم يزل عليها حتى هلك معاوية بن أبي سفيان .

التالي السابق


الخدمات العلمية