الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك كون العلم ضروريا ونظريا، والاعتقاد قطعيا وظنيا، أمور نسبية، فقد يكون الشيء قطعيا عند شخص وفي حال، وهو عند آخر وفي حال أخرى مجهول، فضلا عن أن يكون مظنونا، وقد يكون الشيء ضروريا لشخص وفي حال، ونظريا لشخص آخر وفي حال أخرى.

وأما ما أخبر به الرسول فإنه حق في نفسه، لا يختلف باختلاف عقائد الناس وأحوالهم، فهو الحق الذي لا يقبل النقيض، ولهذا كل ما عارضه فهو باطل مطلقا.

ومن هنا يتبين لك أن الذين بنوا أمورهم على مقدمات إما ضرورية أو نظرية أو قطعية أو ظنية بنوها على أمور تقبل التغير والاستحالة، فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء. وأما ما جاء به الرسول فهو حق لا يقبل النقيض بحال، فهو صلى الله عليه وسلم يخبر بالحق كما قال أهل الجنة لما دخلوها: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق [سورة الأعراف: 43] وقد قال تعالى: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا [سورة البقرة: 119] وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا [سورة الأحزاب: 46] وقال تعالى : أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون [ ص: 305 ] أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون [سورة المؤمنون: 69 -71].

وقال تعالى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم [سورة محمد: 1- 3] ومثل هذا كثير.

فالرسول صلى الله عليه وسلم يخبر بالحق ويقيم عليه الأدلة العقلية البرهانية الموصلة إلى معرفته، كالأقيسة العقلية، وهي الأمثال المضروبة.

قال تعالى: ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا [سورة الإسراء: 89] وقال تعالى: ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا [سورة الكهف: 54] إلى قوله تعالى ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا [سورة الكهف :56 – 57]. [ ص: 306 ]

وقال تعالى: ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون [سورة الزمر: 27].

وهو سبحانه يجيب عن المعارضات كما قال تعالى: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا [سورة الفرقان: 23] وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا أن الطريقة الشرعية تتضمن الخبر بالحق والتعريف بالطرق الموصلة إليه النافعة للخلق، وأما الكلام على كل ما يخطر ببال كل أحد من الناس من الشبهات السوفسطائية، فهذا لا يمكن أن يبينه خطاب على وجه التفصيل.

التالي السابق


الخدمات العلمية