الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبالجملة اختصاص الشيء بما هو عليه من خصائص كاختصاصه بنفسه ووجوده وصفاته كلها: لازمها وعارضها. فقول القائل: كل مختص لا بد له من مخصص مباين له كقوله: كل موجود فلا بد له من موجد مباين له، وكل حقيقة فلا بد لها من محقق مباين لها، وكل قائم بنفسه فلا بد له من مقوم مباين له .. وأمثال ذلك.

فإنه ما من أمر من هذه الأمور إلا ويمكن الذهن أن يقدره على خلاف ما هو عليه، ومجرد تقدير إمكان ذلك في الذهن لا يوجب إمكان ذلك في الخارج، ولكن طائفة من أهل الجدل الباطل والحكمة السوفسطائية يستدلون على إمكان الشيء في الخارج بإمكانه في الذهن، كما يوجد مثل ذلك في كلام كثير من أهل الكلام والفلسفة.

والرازي والآمدي ونحوهما يستعملون ذلك كثيرا، كاستدلال الرازي وغيره على إمكان وجود موجود لا مباين للعالم ولا مجانب بأن يقولوا: القسمة العقلية تقتضي أن كل موجود: فإما مباين لغيره، وإما مجانب له، وإما لا مباين ولا مجانب، أو كل موجود: فإما داخل في غيره، وإما خارج عنه، وإما لا داخل ولا خارج. [ ص: 366 ]

ويجعلون مثل هذا التقسيم دليلا على إمكان كل من الأقسام في الخارج، وقد يسمون ذلك برهانا عقليا وهو من أفسد الكلام، فإن هذا بمنزلة القائل: كل موجود فإما أن يكون قائما بنفسه أو قائما بغيره، وإما أن لا يكون قائما بنفسه ولا بغيره، فإن هذا لا يقتضي إمكان وجود موجود لا قائم بنفسه ولا بغيره، بل هذا ما يعلم امتناعه بالضرورة، واتفق العقلاء على امتناعه.

ومثله أن يقال: كل موجود إما قديم أو محدث، أو لا قديم ولا محدث، ومثله: كل موجود إما واجب أو ممكن، أو لا هذا ولا هذا، وكل موجود إما خالق أو مخلوق، أو لا خالق ولا مخلوق، ومثله إما عالم أو جاهل، أو لا عالم ولا جاهل، ومثله إما حي وميت، أو لا حي ولا ميت.

فهذه التقسيمات وأمثالها لا تدل على إمكان كل قسم منها ولا على وجوده في الخارج باتفاق العقلاء، بل العقلاء متفقون على أن الموجود: إما واجب وإما ممكن، وإما قديم وإما محدث، وإما قائم بنفسه وإما قائم بغيره.

فأما تقسيم كل قائم بنفسه إلى: الحي والميت، والعالم والجاهل، والقادر والعاجز، فهو أيضا صحيح عند جماهير العقلاء، وهو قول المثبتة لأسماء الله الحسنى، وهو أنه حي عالم قادر. [ ص: 367 ]

وإنما ينازع فيه النفاة من الجهمية والباطنية، فلا يسمونه بشيء من الأسماء الحسنى التي سمى بها نفسه، وسمته بها رسله، حتى لا يقولون: هو شيء ولا موجود لأن ذلك –بزعمهم- يستلزم التشبيه بغيره من الأشياء والموجودات.

التالي السابق


الخدمات العلمية